الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الاستاذ منير سعيداني يكشف عن موقفه من الغاء شعبة علم الاجتماع بالمعهد العالي للدراسات الإنسانية بتونس

نشر في  12 جويلية 2019  (12:35)

عبر الاستاذ منير سعيداني عن موقفه من الغاء شعبة علم الاجتماع في المعهد العالي للدراسات الإنسانية بتونس وتعويضها بإجازة في التنمية البشرية معتبرا أنه قرار أخرق وخطير في آن واحد اذ أن هذا القسم موجود منذ بعث المعهد ضمن جامعة تونس المنار، أي منذ عشرين عاما ومضيفا انّ القرار يدخل في سياسة عامة ضيّقت وتضيّق على العلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة التونسية. 

وشرح الاستاذ منير سعيداني موقفه في تدوينة نشرها على صفحته بموقع الفايسبوك:

"نشرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (تونس) دليل التوجيه الجامعي 2019 (http://www.orientation.tn/orient/pdf/guide_2019.pdf). وقد لاحظت أنه، وفي صفحته الرابعة والثلاثين (34)، وفي الخانة المخصصة لاختصاص علم الاجتماع، اقتصر على ذكر ثلاث كليات يدرّس بها هذا الاختصاص وهي كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس التابعة لجامعة تونس (رمزالاختصاص 10120، طاقة استيعابه تساوي 100 تسجيل ممكن) وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس التابعة لجامعة صفاقس (رمز الاختصاص 40120، طاقة استيعابه تساوي 78 تسجيلا ممكنا) والمعهد العالي للدراسات التطبيقية في الإنسانيات بقفصة التابع لجامعة قفصة (رمز الاختصاص 60120، طاقة استيعابه تساوي 120 تسجيلا ممكنا).

أما المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس، حيث أدرّس في قسم علم الاجتماع به، فلا يرد ضمن المؤسسات التي يمكن للطلبة الراغبين في التوجه إلى دراسة اختصاص علم الاجتماع التسجيل بها للسنة الجامعية 2019-2020. ويعني ذلك بكل وضوح أن واضعي هذا الدليل يسعون إلى غلق قسم علم الاجتماع بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس التابع لجامعة تونس المنار.

وليس هذا السعي مجرد نتيجة منطقية لعدم إدراج علم الاجتماع ضمن الاختصاصات التي يمكن للطلبة التسجيل بها بالمعهد بل هو نتيجة يرغب في حصولها من سعى ويسعى إلى التضييق على علم الاجتماع ضمن التضييق على العلوم الإنسانية والاجتماعية بالجامعات التونسية عامة.

وأنا شخصيا أعتبر أن هؤلاء الذين ضيقوا ويضيقون على علم الاجتماع وعلى العلوم الإنسانية والاجتماعية عامة موجودون في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التونسية ذاتها وفي القائمين على الإدارة العامة للشؤون الطالبية بها وهي التي يصدر عنها هذا الدليل كما جرت العادة كل سنة. وليس تحميل المسؤولية هذا من قبيل الاتهام جزافا بل هو واقع ملموس عاينته بنفسي خلال مباشرتي للتدريس والبحث في علم الاجتماع منذ سنة 2000 في جامعتي صفاقس وتونس المنار.
ويعلم عدد من زملائي في قسم علم الاجتماع بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس أنني لم أكفَّ خلال السنوات الخمس الماضية عن ترديد توقعي بأن القسم يُتّجهُ به نحو الغلق. ولكني لا يهمني الآن تأكيد صحة توقعي هذا، بل المهم عندي أن أمارس حقي وواجبي في أعلن موقفي من عدم إدراج عرض تكوين في علم الاجتماع للناجحين في باكالوريا 2019 بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس. 
وحتى يكون الذين اتخذوا القرار القاضي بإنهاء وجود قسم علم الاجتماع بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس على بينة من طبيعته الخرقاء والخطيرة في آن معا أعلمهم إن لم يكونوا عالمين وأذكّرهم إن كانوا يتناسون، أن هذا القسم موجود منذ بعث المعهد ضمن جامعة تونس المنار، أي وببساطة منذ عشرين عاما.

وفضلا عن انتظام التدريس به على امتداد العشريتين الماضيتين وتخرّج عشرات الطلاب منه فيهم من وجد فرصة عمل وكان له تكوينه في علم الاجتماع عونا على أداء مهامه المهنية، فإن القسم أقام العديد من اللقاءات العلمية الوطنية والعربية والدولية، وأنشأ ماجستارين في الاختصاص تخرّج منهما العشرات طوال السنين الماضية ومنهم من يواصل بحوثه في نطاق إنجاز رسالة دكتورا في الاختصاص سواء أكان ذاك في تونس (كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، وغيرها...) أو خارجها، ومنهم كذلك من مكنته شهادة الماجستير إما من الحصول على فرصة عمل أو من تحسين وضعه المهني.

وفضلا عن أن معهدنا هو المعهد الوحيد الذي يحتضن هذا الاختصاص في جامعة تونس المنار فإنه المؤسسة الجامعية الوحيدة التي تؤمّن التكوين والبحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية فيها. وللتذكير كذلك لم يكتف طلبة القسم بالدراسة ومتابعة الأنشطة العلمية بل كانت لهم أيضا وفي العديد من المناسبات إسهامات بيّنة في نضالات زملائهم من ذات الاختصاص في جامعات تونسية أخرى ومنها الحملات التي أقيمت من أجل وضع قانون أساسي لخريجي الاختصاص.

وقد جلبت لهم آخر حملة قاموا بها من أجل ذلك منذ ثلاث سنوات تعاطفا من أساتذة علم اجتماع من لبنان ومن الجزائر ومن غيرهما، فضلا عن مساندة ساري حنفي، نائب رئيس الجمعية الدولية لعلم الاجتماع لشؤون الجمعيات الوطنية حينها والذي صار الآن رئيس الجمعية.

وزيادة على ذلك شهد قسم علم الاجتماع بالمعهد، وبفضل تضحيات جسام لثلة من طلبته أول تجربة في التكوين في علم الاجتماع المرئي أنتجت أول شريط سوسيولوجي تونسي بعنوان "بعد الربيع... يأتي الشتاء" عُرض مرات عدة في تونس وخارجها وشارك في مؤتمر دولي لعلم الاجتماع المرئي بفرنسا، وحظي بمناقشة واسعة وإيجابية كلما عرض.

ويشترك عدد من أساتذة القسم ومن خريجيه من الطلبة المسجلين في الماجستير والدكتورا في الاختصاص بالكثير من النجاح واستحسان المؤطرين والمتابعين، من أهل الاختصاص ومن غيرهم، في أشغال مخبر "بحوث في التنوير والحداثة والتنوع الثقافي" الذي يحتضنه المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس، من ورشات وعروض ومناقشات تمخضت عمّا لا يقل عن عشرة نصوص أنتجها باحثو المخبر المزاولون لبحوثهم في مستويي الماجستير والدكتورا، نشرت أو هي بصدد النشر على صفحات مجلات علمية معترف بها ومحكّمة في تونس والمغرب ولبنان وغيرها.

بل إن المخبر، وفيه ما يقارب العشرين طالبا في الاختصاص بين مسجلين في الماجستير ومسجلين في الدكتورا، كان دافعا نحو إمضاء اتفاقية تعاون علمي بين جامعة تونس المنار ومركز البحث في الأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران (الجزائر) وهي في طور التنفيذ. وتفاعلا مع كل ذلك، وبالإسهام النشط والفعال فيه، سعى ويسعى مدرسو القسم إلى تطوير مهاراتهم التدريسية والرفع منها وإلى تكثيف إنتاجهم العلمي بما مكن العديدين منهم من تقديم ملفات لنيل شهادة التأهيل الجامعي وإحرازها.
كيف يمكن أن ننظر إلى قرار إنهاء وجود قسم بمثل هذا النشاط وبمثل هذه الإنجازات؟ كيف يمكن أن نقيّم عَمْدَ الوزارة وإدارة الشؤون الطالبية إلى اتخاذ مثل هذا القرار من دون استشارة أي واحد من طالبات القسم وطلبته ولا أيّ واحد من أستاذاته وأساتذته ولا المجلس العلمي للمعهد ولا حتى مجلس جامعة تونس المنار ذاته.

ماذا يعني أن يتم تجاهل كل هؤلاء؟ وماذا يعني أن يُتخذ قرار بمثل هذه الخطورة من دون تخطيط ولا دراسة ولا تدبر لتبعاته العلمية والتكوينية الأكاديمية بل والثقافية والفكرية والاجتماعية؟ كيف يمكن أن يصدر مثل هذا القرار من مصدر يتخفى وراء تسميات إدارية رسمية ليست تمنعني من أن أتساءل عن الدور الذي أسندته وتسنده الوزارة، ممثلة في إدارة التجديد الجامعي، لللجنة الوطنية القطاعية في علم الاجتماع التي أنهت منذ أسابيع قليلة النظر في إجازات علم الاجتماع في نطاق حملة تجديد الإجازات التي صورتها مصالح الوزارة على أنها من باب الإصلاح الجامعي؟

هل تمت استشارة اللجنة الوطنية القطاعية في مثل هذا القرار، وفي عدم وضع مقاعد على ذمة الناجحين في باكالوريا 2019 بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس لمتابعة الدراسة في علم الاجتماع؟ فلماذا كانت الوزارة إذا تستحث المدرسين والأقسام واللجنة الوطنية القطاعية على الاشتراك بكثافة، وفي ذلك الأمد الوجيز الذي وضعته (بضع أسابيع)، في تجديد الإجازة؟

بالطبع، ليس هذا وقت التذكير باعتراض العديدين وأنا من بينهم على مجريات ما سمي حملة تجديد الإجازات، ولكنه وقت مناسب بالتأكيد للتذكير بأن التحذير من مغبة انجرار المدرسين الجامعيين إلى مجاراة الوزارة في ذلك التسرع المريب في تنظيم الحملة ولفلفة المناقشات فيها والمسارعة إلى حسمها بكل الإبهامات التي صاحبتها له مبرراته القوية وليس أقلها أنها كان كريقة لا يمكن إلا أن تمهد الطريق لمثل هذه القرارات. أفيمكن أن يكون عفويا مثل هذا التصرف وهو وليد ذلك التسرع المريب والإبهام المقصود الذي اعتمدته مصالح الوزارة في حملة تجديد الإجازات. إن هذا قراريتجاوز كل الهياكل البيداغوجية والعلمية المسؤولة والرسمية ويتناساها ويقفز على ضرورة إشراكها في تسيير الحياة الجامعية والتخطيط لمستقبلها. 
هل من ضرورة لمزيد الشرح للإقناع بأن هذا القرار، وأمثاله كثرة كثيرة ستكشف عنها الأيام والأسابيع القادمة، مقصود ومبيّت، وأنه جزء من سياسة عامة ضيّقت وتضيّق على العلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة التونسية؟ وإن كانت للوزارة مبررات أفلا تصح على أقسام علم الاجتماع الثلاثة الأخرى؟ هل يمثل قسمنا استثناء؟ وحتى إن كان المبرر من قبيل تنويع التكوين ومجاراة متطلبات سوق الشغل، وهي الأسطوانة المشروخة التي ظللت تصم آذاننا وتؤذي مسامعنا منذ اعتماد نظام إمد الفاشل، فلماذا يتخذ القرار بهذه الطريقة؟
طيب، ما الذي "تقترحه" الإدارة العامة للشؤون الطالبية على الطلبة عوضا عن، أو تعويضا عن، متابعة الدراسة في إجازة علم الاجتماع؟ إجازة مبهمة في "التنمية البشرية والقضايا الاجتماعية" (رمزها 10126، طاقة استيعابها تساوي 46 تسجيلا ممكنا) وإجازة أخرى لا تقل إبهاما في "الثقافة والتواصل" (رمزها 10127، طاقة استيعابها31 تسجيلا ممكنا).

وفي دليل التوجيه الجامعي، وردت تسميتا الإجازتين في واد يحمل عنوان "الإجازات" وفي تفاصيله نجد تسميات ترتبط بوضوح بتخصصات علمية وضعها الدليل تحت مُسمّى "العلوم الإنسانية والاجتماعية والدينية والتربية". بصرف النظر عن الأخطاء في التسمية وعن منطق الجمع بين هذه التخصصات، هل يكون علينا أن نفهم أن ثمة علوما جديدة ستدخل الجامعة التونسية منها "علم التنمية البشرية"؟ و"علم القضايا الاجتماعية"؟ ما هي الطريقة التي فكر بها واضعو هذا الدليل؟ كيف ابتدعوا هذه التسميات؟ هل يستندون إلى معارف إبستيمولوجية نجهلها؟

الحقيقة أن أصحاب هذا القرار فضلا عن عدم الاستشارة، وعن تجاوز هياكل التسيير وعن تجاهل مقترحات المدرسين واللجان المختصة يعمدون إلى الخوض في ما لا اختصاص لهم فيه ولا دراية ولا معرفة، بحيث يشتركون وبوعي في اتصال نفس سياسات اختراع التخصصات الجامعية وتوليدها القيصري المشوه والمتجهة رأسا إلى عكس ما ينتظره الطلاب وأهاليهم وأساتذتهم وكل ذوي الاهتمام بالشأن التربوي الجامعي من عمق التكوين وفعاليته وارتباطه بإمكانيات التشغيل وإسهامه في تنمية المعرفة العلمية الإنسانية والاجتماعية التي تتزايد حاجة البلاد إليها باطراد.

فهل يعتقد أصحاب هذا القرار أننا لا نرى اتجاههم التدريجي نحو التقليص بهذه الطريقة وبغيرها من حضور العلوم الإنسانية والاجتماعية الحقة في الجامعة التونسية؟ وهل يعتقدون أننا لا نفهم أن ذلك من موجبات ما يرتضون الاندراج فيه من تقسيم عالمي لمجالات المعرفة وإنتاجها وترويجها واستخدامها ووضعها في خدمة ذوي الشأن؟ وهل يعتقدون أننا لا نفهم أنهم يقبلون بوضع استعمارية المعرفة الذي لا يريد من بلدان الجنوب إلا أن تكون سوقا لرواج الألسن والنظريات والمناويل التحليلية والمفاهيم الآتية إلينا من العواصم التي لا تزال تحلم بأنها في موقع المتروبول؟ وهل يعتقدون أننا لا نفهم أنهم يريدون تعميق وضع استلحاقنا واستعبادنا المعرفي وتأبيده؟ 

قد يرى واضعو القرار ألا ضرورة لمثل هذا "الكلام الكبير"، ولكنها طريقة أخرى في القول إن "هؤلاء، أي جماعة العلوم الإنسانية والاجتماعية، يتحدثون كثيرا وبكلمات فخمة غير مفهومة وغير مجدية". ليس يعني هذا الكلام إلا العداء للعلوم الإنسانية والاجتماعية، هذا العداء الذي وصل بالكثير من دكتاتوريي العالم الماسكين بالسلطة الآن، إلى ترديد أقوال من قبيل " ما الحاجة إلى علم الاجتماع؟".

وليس يعني هذا السؤال إلا القول:" ولماذا تريدون أن يكون بين أيدي عامة الناس علم يفهمون به واقع مجتمعاتهم، وآليات التسلط والاضطهاد فيها، ويكون لهم زادا في إقامة حوارات ديمقراطية وتشاركية مع ذوي المصلحة الحقيقيين في التحرر منهما؟" . إن موقعي في اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية لعلم الاجتماع يسمح لي بالقول إن هذا الموقف العدائي تجاه العلوم الإنسانية والاجتماعية عامة، وعلم الاجتماع خاصة، موجود لدى الكثير من مسؤولي التعليم العالي في مختلف أنحاء العالم، وأنه يمثل قاعدة مخفية للكثير من السياسات التعليمية والثقافية والفكرية التي تتبعها هذه البلدان، من حكامها من يتبجح بانتهاجه مثل هذه السياسات، وأنه يستفحل خاصة كلما كان السياق التاريخي الاجتماعي الذي يمر بعه كل بلد معني منبئا بتصاعد إرادة التحرر لدى الناس ولدى الشباب منهم ولدى الشباب الجامعي منهم على الأخص.

وليس يعني هذا بالطبع رضاي عن مستوى علم الاجتماع في بلدي وفي جامعتي وفي معهدي وفي قسمي، بل إنني طالبت بمعية زملاء آخرين، وضمن ما اشتركت فيه من أعمال اللجنة الوطنية القطاعية في علم الاجتماع بتركيبتها التي اشتغلت خلال السنيتن الجامعيتين 2016-2017 و2017-2018، بضرورة الانكباب على إصلاح جدي للاختصاص ضمن الإصلاح الجامعي المنشود. ولكن أن يتخفى وراء مبررات واهية من أجل اتخاذ قرار بإنهاء وجود الاختصاص العلمي الذي أومن به وأشتغل فهذا ما لا أقبله. 
وبالنظر إلى كل ما سبق، فإن موقفي من عدم إدراج عرض تكوين في علم الاجتماع بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس في دليل التوجيه الجامعي 2019 هو رفضه والإصرار على مكافحته والعمل على إبطاله وتصحيح الوضع بالعودة إلى ما كان عليه خلال السنوات التسعة عشر الأخيرة كلها. وموقفي منه هو كذلك إعلان استعدادي للتعاون مع كل من يقف موقف الرفض هذا للعمل على إبطاله.
إن من أكثر ما يحز في نفسي في مثل هذا الوقت الذي أعبر فيه عن موقفي وأصرح به أنني أكتبه هنا على حسابي على الفايسبوك وأنا أقيم في مدينة غوتنغن الألمانية باحثا زائرا لجامعتها التي يعود تأسيسها إلى سنة 1737، وهي لا تزال تحتفي بالعلوم الإنسانية والاجتماعية وتنفق في سبيل الاشتغال بها الأموال وتدعو الباحثين وتقيم الندوات والمؤتمرات وتكثّف من النشرات العلمية وتتوسع في الاشتغال بالمعرفة الإنسانية والاجتماعية وتعمل على جلب المزيد من المنتسبين إليها من الطلاب والباحثين، في بلدها الأم وكذا في العديد من أرجاء العالم حيث توجد جامعات لها بها صلات.

زملائي الألمان وغير الألمان يفعلون هذا هنا في جامعتهم وفي غيرها من جامعات العالم ودوله ومدنه وتساندهم فيه جامعاتهم وتدعمهم وتتسلم من وزارات التعليم العالي الأموال الضرورية المخصصة لذلك، أو تتدبرها من مؤسسات وممولين مختلفين. ليس يعني هذا بالطبع أن وضع العلوم الإنسانية والاجتماعية على ما يرام في هذه البلدان، ولكن واعتبارا لما رأيته وعاينته خلال زياراتي لجامعات ومراكز بحثية مختلفة تماثل جامعة غوتنتغن في اعتنائها بهذه العلوم أتساءل: أيكون متخذو قرار إنهاء وجود قسم علم الاجتماع بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس أقدر من هؤلاء جميعا على فهم قيمة هذه العلوم وأدوارها في المجتمع؟"