الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة الجايدة لسلمى بكار : دار جواد .. إضطهاد ..نضال .. فحرية

نشر في  13 نوفمبر 2017  (16:19)

تستفيق "بهجة" في ساعة متأخرة من الليل، تتسلل على أطراف أصابعها، تستمع الى همهمات متقطعة و ضحكات قصيرة صادرة من غرفة شقيقتها الأرملة..  دون تردّد تفتح " بهجة " باب الغرفة لتجد زوجها الطبيب " سي الطيب" محتضنا أختها، تصرخ بهجة "أختي لا ... خديجة لا " ، تنهار وتدخل في موجة من الهستيريا .. في الأثناء تغادر شقيقتها غرفتها مسرعة في حين يحاول الزوج السيطرة على زوجته دون جدوى...

تتخذ بهجة موقفا صارما بعدم الصفح عن "سي الطيب" خاصة وأنها ضحت بمستقبلها الأكاديمي من أجل تربية طفليها، وترفض كل محاولات الصلح، موقف دفع بزوجها الى الالتجاء الى "حاكم الدريبة" أو القاضي الشرعي، فكان القرار المبنى على المذهبين المالكي والحنفي، بأن تعاقب بهجة بالاقامة في "دار جواد" ...

تصطحبها عربة في أزقة المدينة العتيقة، تتوقف أمام منزل قديم "دار جواد"، حيث تستقبلها الجايدة وتعرفها على بقية النسوة "الناشزات" والخارجات عن طاعة ازواجهن..

4 نسوة من طبقات اجتماعية ومستويات تعليمة مختلفة، لكل واحدة منهن قصتها، تجتمعن تحت سقف واحد، سقف العقاب بدار جواد، لا لشيء سوى لأنهن خلقن في مجتمع ذكوري يرفض الاستماع اليهن، مجتمع السلطة فيه الى الرجل دون سواه.

هي الزاوية التي اختارتها المخرجة سلمى بكار لتسليط الضوء على جزء من تاريخ تونس قبل الاستقلال في فيلمها الجديد "الجايدة"، زاوية وان كانت نسوية بامتياز فانها عكست ما عانته المرأة التونسية في تلك الحقبة التاريخية من اضطهاد واغتصاب لحقوقها.

الجايدة

«الجايدة» شريط سينمائي طويل مدته 110 دقائق، سيناريو وسكريبت وإخراج سلمى بكار العائدة الى الفن السابع بعد غياب، ونذكر أن الجايدة يعرض حاليا بقاعات السينما بعد ان تم عرضه للمرة الأولى ضمن فعاليات الدورة 28 لأيام قرطاج السينمائية، يجسد دور البطولة فيه كل من وجيهة الجندوبي وسهير بن عمارة ونجوى زهير وأميرة درويش وخالد هويسة وأحمد الحفيان وتوفيق العايب وبلال الباجي ورؤوف بن عمر، وجمال المداني وغيرهم ..
تدور  أحداث الفيلم بين سنتي 1954 و 1955 أي قبل الاستقلال الكامل لتونس، ويروي "الجايدة" كما اسلفنا الذكر معاناة المرأة التونسية قبل صدور مجلة الأحوال الشخصية، حيث كانت تعاني الويلات من ظلم المجتمع والقوانين والعائلة والرجل بصفة خاصة، ففي تلك الحقبة كانت تعاقب المرأة بسجن من نوع خاص لتأديبها ونقصد دار جواد، حيث كانت تحرم المرأة من حريتها، وتعيش تحت وطأة ظلم "الجايدة" .

وبذكاء سينمائي كبير، تنجح سلمى بكار في جعل المشاهد يتابع اطوار فيلمها بشغف وتأثر، ويكتشف جزء من تاريخ تونس المظلم، تاريخ سعت سلمى بكار  صحبة عدد من زملائها النواب سنة 2012 الى عدم تكرره بسن فصول في الدستور الجديد تدافع عن مدنية الدولة وحقوق المرأة، وهو ما مررته سلمى نهاية الفيلم.

في هذا الفيلم اختارت سلمى بكار 4 شخصيات نسائية تروي من خلال قصصهن المختلفة واقع الحياة داخل دار جواد، حيث نجد المرأة المثقة البرجوازية والشابة المفعة بالحياة والعاشقة، والفقيرة والريفية والمرأة المحرومة من الحنان والعطف.

قصص نساء بدار جواد

 كنا قد عرجنا بداية الحديث عن قصة "بهجة" التي جسدت شخصيتها وجيهة الجندوبي  المرأة التي تحدت زوجها  "سي الطيب" " (خالد هويسة ) ورفضت قبول خيانته مع شقيقتها "خديجة" (أميرة درويش) ، فكان عقابها الاقامة بدار جواد.

كما نجد شخصية "ليلى" التي جسدتها بحرفية عالية سهير بن عمارة، وتجد ليلى نفسها بدار جواد، بعد ان اتهمها زوجها الكهل "توفيق العايب" بخيانته مع عشيقها "محمد علي بن جمعة"، وامام القاضي الشرعي تعجز ليلى عن الدفاع عن نفسها واخباره ان زوجها لا يلبي رغباتها الجنسية وانها تفتقر الى الحب والحنان معه ، ترضخ وتستسلم، قبل أن تفقد الرغبة في الحياة وتخير وضع حدّ لحياتها نهايتها الفيلم .

ومن الشخصيات الأخرى التي أجبرتها الظروف على العيش بدار جواد هي آمال "نجوى زهير" التي ترفض غطرسة وظلم حماتها، فتقرر في كل مرة الذهاب الى دار جواد والانفصال عن زوجها "أحمد الحفيان" الذي عجز عن انصافها . .
وأما الشخصية الرابعة، في دار جواد فهي "حسينة" التي جسدتها  الممثلة سلمى محجوب، تلميذة تقع في حب عثمان (جسد الدور بلال الباجي) وهو شاب مندفع وثائر ضد الاستعمار ، تحول من الكاف الى العاصمة للدراسة والمشاركة في محاربة المستعمر، قصة حب، تنتهي بدار جواد بعد ان اكتشفها خال حسينة (رؤوف بن عمر) .

التحرّر 

4 شخصيات نسائية اجتمعن تحت سقف دار جواد، تحاول كل واحد منهن الدفاع عن حقها في الرفض والتعبير عن ذاتها، ليأتي خلاصهن بعودة بورقيبة في جوان 1955 محققا الاستقلال الداخلي لتونس.

ولئن حاولت سلمى بكار خلال الفيلم التعريج على معركة التحرر والانقسام بين أتباع صالح بن يوسف والحبيب بورقيبة، فانها هدفها الأول كان توثيق جزء من تاريخ استعمار من نوع آخر ونقصد استعمار المجتمع الذكوري للمرأة.

ولعل ما نلومه على سلمى بكار خلال هذا العمل السينمائي الذي كان يستحق وعن جدارة افتتاح الدورة 28 لأيام قرطاج السينمائية عوضا عن الفيلم الفلسطيني" كتابة على الثلج" لرشيد مشهراوي، هو تغاضيها عن دور المرأة في تحرير البلاد، حيث اكتفت بتسليط الضوء على الظلم المسلط عليها في تلك الحقبة متناسية ان المرأة ساهمت ايضا في معركة التحرير وحملت السلاح وحمت الثوار، يبقى أن نشير أن الحبكة الدرامية التي صاغت بيها سلمى بكار صحبة وجيهة الجندوبي السيناريو فيها الكثير من الحنكة وخاصة من ناحية الانتقال من قصة الى أخرى بسلاسلة، اضافة الى الأداء المقنع لكل شخصيات العمل، ونخص بالذكر سهير بن عمارة حيث تميزت شخصيتها بالجرأة دون السقوط في المباشرتية .

وخيرت سلمى بكار ان تنهي "الجايدة" بالنشيد الوطني التونسي وبصورة طفلة في اشارة الى ضرورة محافظة طفلة اليوم وامرأة الغدّ على مكاسب المرأة التونسية.

سنــاء المــاجري