قضايا و حوادث قضايا مثيرة وصادمة عن عقوق الوالدين في تونس!
عقوق الوالدين.. بمجرد أن ينطق اللسان بهذه الأحرف تتملّكنا قشعريرة تهتز لها الأبدان نبذا لهذه الكلمات واحتقارا وكرها لها بل ويسكننا هاجس في ان تنشق الأرض وتبتلع كل من تخوّل له نفسه الإساءة ولو بلفظ أو عبارة لوالديه اللذين بذلا في سبيله الغالي والنفيس من أجل إسعاده مقدار استطاعتهما..
عقوق الوالدين.. ظاهرة خطيرة باتت اليوم تنهش مجتمعنا وتفكك قيمنا وروابطنا خاصة في ظل الحديث المستمر عن قضايا بشعة هزت الرأي العام «هندست» تفاصيلها المريعة عقول تائهة وقلوب شاردة لأبناء ضربوا بعرض الحائط بكل مشاعر الإنسانية ونكلّوا بمبادئنا..
أخبار الجمهورية تسلّط في هذا العدد الضوء على ظاهرة عقوق الوالدين عبر هذا الملف الخاص الذي رصد وجهات النظر القانونية والنفسية والدينية حول هذه المسألة...
دكتور علم النفس عماد الرقيق: عاق الوالدين هو شخص لا يؤمن بالسلطة..
في البداية كان لنا اتصال بالدكتور في علم النفس عماد الرقيق لتحليل ظاهرة عقوق الوالدين من المنحى النفسي، حيث أكّد لنا أنّ تفشي ما يعرف بظاهرة عقوق الوالدين في تونس هو نتيجة تشتت وتزعزع المنظومة الأسرية بصفة عامة وانهيار الروابط العائلية وتفككها وانتشار مظاهر النرجسية وحب الذات والبحث عن اللذة الإنيّة التي حطّمت كل المبادئ لتصبح بذلك قيمة البر بالوالدين واللجوء إلى العائلة أمرا ثانويا..
وحول الحديث عن انعكاسات عقوق الوالدين شدّد الرقيق على أن انعكاساتها فادحة وخطيرة للغاية ذلك أنها تسهم في تكريس عدم الاحترام وتحطيم كل الحواجز القيمية، داعيا في المقابل إلى ضرورة تربية الأبناء على قيم العيش المشترك وتكريس مبدأ الاحترام ونبذ كل ما من شأنه أن يساهم في توليد هذه المظاهر المنبوذة..
في ختام مداخلته اعتبر الدكتور المختص في علم النفس انّ عاق الوالدين هو إنسان لا يؤمن بالسلطة وليس له أنا أعلى وهو شخص لا يؤمن إلاّ بالاستهلاك فقط وهو قادر على تجاوز القوانين واستعمال العنف لنيل كل ما يرتضيه..
المحامي عماد بن حليمة: هذه عقوبة عاق الوالدين
على صعيد آخر اتصلت أخبار الجمهورية بالأستاذ عماد بن حليمة المحامي لمعرفة رأي القانون في مسألة عقوق الوالدين والعنف المسلط من الأبناء على الآباء، فأجابنا في البداية انه لا وجود في المصطلح القانوني لجريمة تسمى عقوق الوالدين وانما حددت بكونها الاعتداء بالعنف من الخلف على السلف أو بعبارة أوضح تصدر من الآباء تجاه الأبناء والتي يعاقب عليها المشرع التونسي بسنتين سجنا..
على صعيد آخر أفادنا الأستاذ عماد بن حليمة أنه إذا أراد السلف المعتدى عليه إسقاط حقه فإنّ ذلك يوقف التتبعات أو المحاكمة أو تنفيذ العقاب، مشيرا في المقابل إلى أن عقوق الوالدين كمصطلح لغوي لا يعني فقط الاعتداء بالعنف على الوالدين سواء كان لفظيا أو ماديا وإنّما هو أيضا يتمثل في عدم الإنفاق المادي من قبل الخلف على السلف..
واعتبر محدّثنا ان عدم الإنفاق المادي من قبل الخلف على السلف يعدّ جريمة يعاقب عليها القانون بسنة سجنا وذلك في حال تقدم السلف بقضية ضد الخلف بشأن هذه المسألة وهي تحال كقضية إهمال عيال وفق ما جاء بالفصل 53 مكرر من مجلة الأحوال الشخصية وفق تصريحه..
الإمام الخطيب علي غربال: عقوق الوالدين من أكبر الكبائر التي حرّمها الخالق
وحول موقف الشرع مما يعرف بعقوق الوالدين كان لنا اتصال بالإمام الخطيب الشيخ علي غربال الذي أكّد في حديثه معنا بأنّ تعريف عقوق الوالدين شرعا هو فعل ما يتأذّى به الوالدان أو أحدهما تأذيًا ليس بالْهَيِّن في العُرف وهو من كبائر الذنوب أي أن فاعله لو لم يرتكب غيره من الذنوب يكون مستحقا لعذاب الله في الآخرة..
وشدّد الإمام الخطيب على أن الخالق دعا إلى البر بالوالدين والابتعاد عن عقوقهما بهما، مستدلا في هذا الإطار بقوله تعالى: «وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا * إمّا يبلغنّ عندك الكِبر أحدهما أو كلاهما فلا تقلْ لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا واخفض لهما جناح الذلِّ من الرحمة وقل ربِّ ارحمهما كما ربّياني صغيرًا» [الإسراء/23-24..
وأضاف الشيخ علي غربال أنّ مسلم روى في صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي بَكرة، عن أبيه، قال: «كنَّا عند رسول الله ے- قال: ((ألا أُنَبِّئُكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور))..
واعتبر أنّ من العقوق مثلا زجر الوالدين أو أحدهما ونهره فضلا عن ضربه، ومنها ما يفعله بعض الشباب بأن يقلب الطاولة على والدته لمجرد أن الأكل لم يعجبه، ومن العقوق أن يسافر بغير إذنه سفرا فيه مخاطرة على حياته بحيث يسبب ذلك أذى وغما وهما للوالد أو الوالدة، كأولئك الشباب الذين يركبون البحر خلسة على متن قوارب صغيرة لعبور البحر (الحراقة)..
وأكّد محدّثنا انه من العقوق أيضا ترك الشخص النفقة الواجبة على والديه إن كانا فقيرين، أما إن كانا مكتفيين فلا يجب الإنفاق عليهما، لكن ينفق عليهما من باب البِرّ والإحسان إليهما، فيُسنّ له أن يعطيهما ما يحبّانه، بل يُسنّ أن يطيعهما في كل شيء إلا في معصية الله.

ملف من إعداد: منارة تليجاني