الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب: خـطـوة، لكـنّ الـنّـهـضـة مازالت بعيدة عن الـمدنية

نشر في  25 ماي 2016  (10:59)

بين التشاؤم الممنهج والتفاؤل المفرط، يمكن استنتاج انّ حركة النّهضة أنجزت خطوة نحو المدنية ولكن هناك أشواط تنتظرها لاقناع الشعب التونسي بهويّتها الجديدة علما أنّها أحرزت على 30 ٪ من المقاعد في مجلس الشعب في حين أنّ الأحزاب الأخرى لها 148 نائبا من جملة 217، أي أنّ النهضة لا تمثّل سوى جزء من الشعب التونسي..
لنبدأ بالايجابيات.. لقد نجح الأستاذ راشد الغنوشي في المحافظة على وحدة حزبه وتفادى انقسامه في حين أخفق الباجي قايد السبسي في هذه المهمّة حيث تسبّب بصفة مباشرة وغير مباشرة في تقسيم نداء تونس واضعافه، وذلك من أجل حماية مصالح ابنه، بينما لم يلحق الغنّوشي  ابنته سميّة وابنه معاذ بمواقع القرار للنّهضة وان كانت لهما علاقات وتأثير واضح.. لقد وفّق راشد الغنوشي في المحافظة علي وحدة حزبه التي اقتضت اقصاء حمادي الجبالي وهو من كبار المتشدّدين الذين أثاروا مسألة الخلافة السادسة وكان يطمح الى الفوز بمنصب رئيس للجمهورية، ومن ألطاف الله أنّ ذلك لم يتحقّق له كما قبل الغنّوشي ابتعاد المعجب بالمنصف المرزوقي المتشدّد النهضوي رياض الشعيبي لكن في الوقت نفسه لم ير مانعا في التعامل مع بعض الظلاميين على غرار حبيب اللوز والصادق شورو وغيرهما.. ورغم أنّ هناك من انتقد اختيارات رئيس الحركة فانّ المؤتمر العاشر لحزب النهضة كرّس ممارسة ديمقراطية اعترف بها حتى عبد اللطيف المكّي وعلي لعريض وعبد الحميد الجلاصي وكلهم يعتبرون انّهم مؤهّلون لقيادة الحركة بعد سنوات وها انّهم ـ اليوم وبنسب متفاوتة ـ من أنصار تثبيت المرجعية الدينية لحزبهم وإن تمّ «تجميل» عملية الفصل بين المدني والعقائدي خلال هذا الحدث، مع التذكير بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر المنظمة «الاسلامية» العالمية منظمة ارهابيّة..

أمّا في ما يخصّ السلبيات،  فنلاحظ أنّ عدد النّساء صلب مجلس الشورى لم يتعد 12 من جملة 100 نائب وهذا أمر غريب ويكاد يكون غير مقبول من حزب يريد تأكيد مدنيّته والمساواة بين المرأة والرّجل.. لقد اعتبر بعض المحلّلين هذا الرقم سلبيّا لأنّه لا يمكن لحزب ان يؤكّد مدنيّته في غياب فصول في القانون الأساسي تضمن للمرأة  نصيبا هامّا من عدد المقاعد في مجلس الشورى..
بقي موضوع شائك وحساس وهو الفصل بين السياسي والدعوي، فكيف يتحقّق هذا الفصل والحال انّ كل اعضاء النهضة كانوا يخطّطون لأسلمة الشعب التونسي منذ  عقود؟ هل يمكن تغيير هوية الحزب وأهدافه وعقليّة مسيّريه ومناضليه خلال أسابيع،  ام انّ السيد راشد الغنوشي وأنصاره تفطّنوا إلى انّ طبيعة المجتمع التونسي ترفض الاسلام السياسي وقد عبرت الأغلبية الساحقة من التونسيين  عن ذلك خلال مظاهرات باردو وأيضا من خلال مساندتها للأحزاب المدنية أثناء الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانية الفارطة بعد أن أعلن المرشّح الباجي قايد السبسي ان حزبه لن يتحالف مع النهضة؟ فهل اقتنعت بعض قيادات الحزب ان توجّهات حزب العدالة والتنمية التركي في بدايته هي النموذج الذي يجب اعتماده في تونس؟ ويذكر انّ حزب أوردوغان كان في بداية مسيرته مساندا للحرّيات بصفة جليّة  ثمّ أصبح حزبا دينيا متشدّدا لا يهمّه الاّ النموّ الاقتصادي ومحاربة معارضيه والأكراد؟ ثمّ هل كان لمواقف الأستاذ عبد الفتاح مورو الذي خيّر عدم الاصطدام مع المجتمع التونسي  واتحاد الشغل وحبّذ التخطيط على المدى البعيد لأسلمة الأطفال ثمّ سائر المجتمع تأثير على هذه الاختيارات؟ ثم ما هي حقيقة الضغط الأمريكي على قرارات النهضة خاصّة أنّ الولايات المتحدة أصبحت تعتبر حركات الاخوان حركات ارهابيّة؟
ثمّ ما معنى حزب له مرجعيّة دينيّة؟ فإمّا ان يكون مدنيا وتونسيا واما يكون حزبا دينيا مقنعا بالمدنية بما انّ المرجعية العقائديّة هي الأساس في كل قراراته! وما هي تأثيرات العقيدة على اختياراته اقتصاديا وثقافيا وفي مجال الابداع؟ وماذا عن تحييد المساجد؟ والعدالة الاجتماعيّة والجبائية وبالنسبة الى وزارة الشؤون الدّينية؟ والحريات؟ وماذا عن البرامج التعليمية؟ والإعلام؟ ووزارات السيادة؟ انّ أسئلة عديدة  يطرحها الديمقراطيون والنخب لم يجد الشعب التونسي أجوبة لها في أفعال حزب النهضة ومواقفه! وبصفة موازية، هناك غموض في العلاقة بين السياسي والدعوي والذي سيخدم النهضة بصفة مباشرة لأنّ الأيمة المعيّنين من قبل الترويكا مازالوا يمارسون السياسة وعدد منهم قريب جدا من العقيدة العنيفة..

ان ما سجّلنا من خطوات ايجابية يبقي غير كاف لتغيير الفكرة التي تحملها الأغلبية الساحقة من الشعب عن النهضة، والكرة الآن في مرمى السيد راشد الغنوشي ومعاضديه لإثبات انّ المؤتمر العاشر كان منعطفا حاسما وعلامة فارقة في تاريخ الحركة، لكن هل يمكن تغيير العقليات والممارسات والمصالح والتحالفات بجرّة قلم؟ وهل يمكن للحبيب اللوز والصادق شورو وغيرهما من المتشدّدين أن يصبحوا بسرعة البرق من كبار المدافعين عن مدنيّة حزبهم وعن الحرّيات؟

في الختام حكمت المحكمة الابتدائيّة بتونس ـ غيابيّا ـ على كوميدي تونسي بثلاثة أشهر سجنا بعد ثلبه الصحفيّة في أخبار الجمهورية سناء الماجري.. إذ لم نذكر اسمه فاحتراما لمشاعر عائلته وأهله..