أخبار وطنية الديبلوماسي أحمد ونيس في حوار خاص: الطيب البكوش شخصية وطنية من طراز المنجي سليم

الطيب البكوش شخصية وطنية من طراز المنجي سليم.. لكن هذا ما عطّـل وزارتـه..
لهذا السبب، اتوقع أن يكون الشورابي والقطـاري على قيد الحياة..وتهديدات فجــــر ليبيا «حــرب كــلاميـة» لا غــيـر
تصنيف أمريكا لتونس بالحليف الاستراتيجي علامة ايجابية تحسدنا عليها بعض الدول التي تتمنى الانضمام الى الناتو..
هو شخصية عرفت في الحقل السياسي بوجاهة تحاليلها السياسية خاصة في ما يخص الجانب الدبلوماسي والخارجي باعتبار أنه شغل سابقا منصب وزير للخارجية.. وفي معرض الحديث عنه لا بدّ من استحضار جملته الشهيرة التي عرف بها «بناء المسقبل لا يكون بغمرة وعربدة الضوضاء... وتشنّج الهويات الشخصية والتصورات مهما كانت بعيدة أو قريبة» وإثر انتهائنا من الحوار زاد يقيننا أنّ بناء تونس لن يكون إلا عبر العمل الجماعي للنهوض بها بعيدا عن كل المزايدات، فشعب تونس فريق واحد مهما تعددت التصنيفات والتسميات...
إنه الخبير الدبلوماسي أحمد ونيس الذي ارتأت أخبار الجمهورية التحاور معه في مواضيع تخص الشأن السياسي وأداء وزارة الخارجية والعديد من المسائل الأخرى التي تهم الرأي العام التونسي.
- في البداية، ما هو تقييمك اليوم لأداء الخارجية التونسية؟
بكل وضوح الخارجية التونسية اليوم فيها جانب كبير من التواصل والمواطنة والتجديد ولن ننتظر منها أن تحقق المعجزات في ظل معالجتها ـ في طبيعة أشبه بدخولها في الحرب ـ لمشاكل تنزلت عليها مثل ظواهر الاختطاف والعنف السياسي والرقابة من الاعتداءات الإرهابية..
ولكن ورغم اشتباك السياسة الداخلية والخارجية الذي أدخل الإرباك والإحراج على أداء الخارجية، فإنها بكل أمانة قائمة بالواجب في كل الميادين وهي ليست أبدا مطالبة بأن تكون صورتها محل تلميع وتهليل بقدر عملها في الخفاء الذي سيضمن لها النجاح والتوفيق في مهمتها.
- هنا تقفز الى الأذهان خصوصا حالة الملف الليبي، فما رأيك في تعامل الحكومة التونسية مع حكومة طرابلس غير المعترف بها دوليا؟
في اعتقادي أننا تعاملنا مع الإخوان في طرابلس في نطاق الوعي الكامل بهموم الشعب الليبي الشقيق الذي يعيش وضعية تمزق وطني حقيقي بين قطبين سياسيين مختلفين رغم أنه انتخب بالأغلبية المشروع الذي يرى فيه أنه سيكون مستنيرا ومحققا لمتطلباته في العيش في ظل دولة ديمقراطية ومجتمع حضاري.
ما تعيشه ليبيا شبيه بما عشناه سابقا في تونس، لكن من حسن الحظ أننا اهتدينا إلى حل سياسي وسط ضمن لنا الشروط الأساسية التي تستجيب لأركان الدولة الديمقراطية والمجتمع المتحضر اللذين كنا نرنو إليهما، فتراجع الحزب الإسلاموي في تونس وأقصد حزب النهضة عما كان يسعى إلى تحقيقه عبر اإدراكه أنّ تونس لا يمكن أن تكون إلا بلدا ديمقراطيا متحضرا وهو ما دفعه إلى الحكم على بعض التنظيمات الإسلامية المتشددة كأنصار الشريعة على أنها تنظيمات إرهابية, وعلى النقيض هذا الشيء لم يحدث في ليبيا وهو ما أدى إلى تأزم الأوضاع فيها.
نعود للحديث عن تعامل الحكومة التونسية مع حكومة طرابلس فأقول في هذا الشأن اننا تعاملنا معها على أساس 3 أركان ضرورية وهي التضامن والواقعية والتوافقية، فأما ركن الواقعية فأقصد به أن الحكومة تعلم أنّ طرابلس تمثل بالنسبة إلينا نقطة التّماس بيننا وبين ليبيا لذلك كان التعامل معها على هذا الأساس.
أما التوافقية فهي تتجسد من خلال التجاء الحكومة إلى عدم إقصاء أي طرف والسعي إلى التوفيق فيما بينهما رغم انه للأسف لم نر اليوم في ليبيا أيّ سلطة سياسية فرضت قوتها وثبّتتها على أرض منطقتها، لأن هنالك دائما مليشيات تتغلب عليهم وهو ما جعلهم ضحية وجعلنا نحن نتيجة لذلك ضحية أيضا.
- وكيف ذلك؟
من المؤكد طبعا أنّ التوازن الأمني في تونس هو رهين استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا فالعامل الأمني مشترك بين الشعبين الشقيقين و«ربي يهدينا ويهديهم»..
- ما هو تعليقك على تنديد فجر ليبيا ببناء الجدار الرملي العازل بيننا وبين ليبيا؟
هذا أسلوب من أساليب الحرب الكلامية التي ينتهجونها، كما أننا نعلم كما يعلمون تماما أنهم ليسوا هم من يمسكون بزمام السلطة الحقيقية في ليبيا رغم أنهم يدعون أنهم يمتلكون مقومات الدولة لذلك أجدد القول ان كل هذه التصريحات أو التهديدات تتنزل فقط في نطاق الحرب الكلامية لا غير.
فإذا كانوا حقا يتعاملون بجدية مع تونس فأنصحهم بإعادة الصحفيين سفيان الشورابي ونذير القطاري المحتجزين عندهم منذ ما يقارب السنة.
- هل تعتبر أنّ الصحفيين المختطفين ما زالا على قيد الحياة عكس ما تم تداوله؟
في اعتقادي أنهما ما زالا على قيد الحياة وكل ما في الأمر هو ممارسة ضغوطات مشددة وتنزيل للتهديدات علينا.. ومادمنا لا نملك حجة دامغة على موتهما فإنّ الأمل يبقى قائما.
- ما هو تقييمك لمنح تونس صفة الحليف الاستراتيجي خارج عضوية الناتو للولايات المتحدة الامريكية؟
بكلّ أمانة أعتبر أنّ هذه الخطوة هامة وإيجابية خاصة وأننا لم ندخل في حلف الناتو رغم أنّ هنالك دولا مجاورة لنا تسعى بكل تحمس للدخول إلى هذا الحلف، لكننا نحن حافظنا على التعامل في نطاق سياسي دون المسّ من سيادة التراب والسياسة.
صفة الشريك الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية من خارج حلف شمال الأطلسي ترسل إشارة قوية على دعم الولايات المتحدة الأمريكية لقرار تونس بالانضمام لمجموعة البلدان الديمقراطية كما تبرز قيمة علاقات الصداقات التى توليها لتونس حكومة وشعبا.
كما أنّ هذه الصفة تخول لتونس الحصول على عدد من الامتيازات تكون الولايات المتحدة الأمريكية من خلال منحها هذه الصفة لتونس أعلنت استعدادها للدفاع عن تونس كحليف استراتيجي لها ضد كل الأخطار والاعتداءات الإرهابية التي يمكن أن تطالها . إنّ هذا لمكسب حقيقي لتونس التي أصبح الكل يعلم من بات حليفا لها اليوم دون المساس من هيبتها..
- إذن ما تعليقك على الذين يعتبرون أنّ السياسة التونسية تتحكم فيها بعض الأطراف الأجنبية على غرار أمريكا؟
هذا كلام زائف.. فتونس ستظلّ دولة حرة مستقلة ذات سيادة وطنية ولكل من يعتبر أنّ تونس تتحكم بها بعض الأطراف الأجنبية، أقول انّ زمن الاستعمار ولى ومضى ولا مجال للمزايدات من هذا القبيل.. فالسياسة التونسية لا يتحكم فيها أحد.. أما من يتحكم في العصابات الإرهابية فنحن له بالمرصاد وعازمون على محاربة الإرهاب والقضاء عليه.
- ما هو تقييمك للعلاقة بين نداء تونس وحركة النهضة اليوم؟
أظنّ أنها علاقة واقعية ومبنية على أساس ما يحتمه الميدان السياسي اليوم رغم أنهما مذهبيا ليسا على نفس الخط.. فالأرضية التي سارت عليها حركة النهضة ليست الأرضية التي تسير عليها اليوم فقد أصبحت تؤمن بالديمقراطية وبتنا بذلك نتعامل معهم كطرف سياسي أعطى لنفسه فرصة المراجعة ذاته لتطوير أفكاره ومبادئه التي كان يؤمن بها سابقا وتجديد لغته السياسية أيضا.
- وتقييمك للمشهد السياسي ككل؟
المشهد السياسي في تونس مرّ بعديد من المراحل لعل أبرزها مرحلة تفجير الحريات التي كان الشعب التونسي لا يتنفسها بل كان يعيش على وقع نضاله ضد الاستبداد ومقاومة النظام السابق والتعذيب الذي كان يمارسه. لذلك عند القضاء على نظام الاستبداد دخلنا إلى مرحلة الحريات التي فاجأت الطبقة السياسية وأثمرت نتاجا عنها ولادة وانبثاقا لعدة أحزاب سياسية.
لكننا تجاوزنا تلك الفترة «المرهقة» من الحريات التي كنا ننشدها وانتقلنا إلى مرحلة الغربلة لنمارس الحريات ممارسة انتخابية وجدلية وأمكن لنا ترتيب الساحة السياسية الوطنية على 3 محاور:
1 ـ محور تقدمي ومستنير
2 ـ محور محافظ وإسلاموي
3 ـ محور شعبي وهو الذي يمثل اليسار
وقد ظلت رواسب هذه المحاور القوية الثلاثة موجودة ويجب أن تترسّم وتتوضح ملامحها لتصبح المرتّبة لأركان الساحة الوطنية التونسية.
- كيف ترون مستقبل تونس خلال المرحلة القادمة؟
يجب أن نؤمن بالثقة العالية في مستقبلنا البعيد والقريب فالشعب التونسي جدير بالثقة وجميع القوى العالمية أصبحت تؤمن بالنظام التونسي.. المطلوب منا اليوم هو خلق ثورة جدية عبر القبول بالتضحية والتعويل على أنفسنا والإيمان بالعودة إلى العمل الدؤوب والدولة النشيطة لإعادة بناء الاقتصاد التونسي وتوحيد صفنا والقبول كذلك بنوع من التقشف بشيء من الصبر والقناعة وتجاوز الطموحات الكمالية التي لا يمكن أن تتوفر للشعب التونسي اليوم.
اليوم الآمال عريضة وأنا أؤمن بأن تونس ستستعيد احترامها الكامل إذا تحققت هذه الشروط المذكورة وسنتمكن وقتها من تحصيل الفائدة والنفع من المساعدات الأجنبية والثروات التكميلية .
- ما هي النصائح التي يوجهها أحمد ونيس إلى سياسيي اليوم؟
يجب أن يهتدوا إلى أسلوب العمل الجماعي، فنقطة ضعف الحكومة الحالية هي أنّ أصحابها يعملون «فرادى» وليس هنالك أيّ عمل جماعي يوحد فريقها، لقد كنا نأمل أن تكون هذه الحكومة متكونة من مجموعة فرق كل فريق منها يعمل ليلا ونهارا ويعنى بشأن معين لأنّ الديمقراطية لن تنجح إلا عبر هذا الأسلوب.
لذلك أجدد قولي لهم: كفاهم عملا فرديا مبنيا على الشخصية والزعامة والاسم الانفرادي فتونس تحتاج الجميع وتتسع للجميع.
- كلمة إلى الطيب البكوش
الطيب البكوش له من الأدبيات والفلسفة العميقة ما تجعل منه من ألمع وجوه المجتمع التونسي التي تؤمن بالديمقراطية وتسعى إلى تكريسها فله من الرؤية الوجيهة والإرادة ما يجعله يتجاوز أصعب المعضلات.
كما أن له من الثقافة اللازمة والإرادة الحقيقية والوجاهة ما يخول له جعل سياستنا الخارجية كسياسة المنجي سليم ،لكنه من سوء الحظ أن الأداة التي بقيت له في وزارة الخارجية والطموحات المحيطة به داخلها عطلت إرادته وخططه رغم ثبوتهما ورغم برودة دمائه..
حقيقة أعتبر أنّ هذا الرجل من أسمى ما كسبناه من شخصيات وطنية فاعلة في بلادنا...
- كلمة إلى الباجي قائد السبسي
الباجي قائد السبسي شخصية لم تسع إلى كسب صورة لماعة وبراقة بقدر سعيها إلى العمل الجبار خدمة للبلاد عن طريق خطة «دمغية» وأساليب محكمة بعيدا عن البحث عن الزعامة، فالسبسي له خطط مستقبلية مبنية على أسس ثابتة وصحيحة تنتظر من الحكومة إثمار زرعها الواعد وهي أمانة حملها على عاتقه ووعد بها الشعب التونسي فهو رجل دولة وله من الثقافة العريقة ما يسمح له بذلك.
- في الختام، الكلمة الأخيرة لك؟
أتمنى فقط من الصحافة والإعلام التونسي أن يكون أكثر موضوعية في حكمه على المردود السياسي فإمكانات الدولة محدودة. كما أدعو الشعب التونسي إلى ضرورة الابتعاد عن ظاهرة الكسل والخمول الغريبة عنا وعن الأخلاق التي عرف بها هذا الشعب المناضل ليعود إلى سالف عهده ونشاطه من العمل الحثيث والجهد المثمر.
كما أتمنى أن تتجاوز الإدارة التونسية كذلك تراجعها وخمولها..
حاورته: منارة تليجاني