الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة ورقات تاريخية لملحمة بطولية قادها البطل مصباح الجربوع الذي زعزع كيان المستعمر، وأحداث يرويها لأوّل مرّة ابن شقيقه الشهيد مبروك

نشر في  06 جويلية 2023  (11:10)

إلى كل الذين رفعوا ألوية العصيان في وجه الاستعمار، إلى من نُقشت أسماؤهم في الذاكرة والوجدان، إلى من رسموا بشجاعتهم ملاحم وبطولات من نور ومن صخر ومن حديد... إلى كل الأبطال المناضلين والثوار والمقاومين (نساء ورجالا) الذين ساهموا في كتابة استقلال هذا البلد الأبيّ... إلى كلّ الذين أناروا لنا الطرقات والدروب وأنبتوا لنا في دهاليز الظلام زهورا عبقت نسائم فخر وحريّة...

 كيف لنا أن نوفيكم حقّكم ونعيد ولو شيئا مما بذلتموه لنا ولوطننا؟

 في هذا المقال يسلّط موقع أخبار الجمهورية الضوء على مسيرة ملحمية بطولية للقائد مصباح الجربوع المقاوم الشرس الذي انخرط في العمل النقابي وحمل السلاح وأرهب المستعمر وزعزع وجوده وكيانه فساهم رفقة أبطال أشاوس لن تنساهم تونس في تحريرها من ربقة الإستعمار وافتكاك استقلالها مهما غلت الأثمان..

 وقاد معارك لن ينساها الزمان من بينها (معركة بئر الأحمر، معركة وادي جير (1 جانفي 1953) ، معركة وادي أرنيان ومعركة بوصرار، معركة جبل ميتر (14 أوت 1953)، ومعركة رمادة التي استشهد فيها (25 ماي 1958)...

 ورقات تاريخية عن حياة القائد مصباح الجربوع ترويها لنا عائلته على لسان السيد محمد المبروك وهو ابن المناضل الشهيد مبروك الجربوع شقيق مصباح  الجربوع، والذي عاضده في مسيرته النضالية وانضم إلى صفوف الوطنيين وبذل حياته من أجل تراب تونس ليستشهد في معركة حشانة سنة 1957.

وفي مستهلّ الحديث معه لتصفّح هذه الورقات التاريخية من حياة مصباح الجربوع وعائلته، أكّد السيد محمد الجربوع بأنّ عمّه كان قائدا استثنائيا امتلك قدرا كبيرا من الذكاء والجسارة والاندفاع ولم يكن يهاب أي خطر بل إنّ الخطر الأكبر بالنسبة إليه هو أن تظل أقدام المستعمر تدوس تراب هذا الوطن الأبيّ وحلمه الأعظم تحريره وافتكاك استقلاله..

وأشار إلى أنّ مصباح الجربوع انخرط في العمل النقابي منذ تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1947، وحمل السلاح لأوّل مرة اثر اندلاع ثورة 18 جانفي 1952 حيث كان من أوائل الحاملين للسلاح لمقاومة الاستعمار  بعمر 38 سنة، مبيّنا أنه انطلق في القيام بعمليات فدائية هجومية رفقة مجموعته الأولى ليستهدفوا في مرحلة أولى الثكنة العسكرية بمدنين ليلا رميا بالرصاص في عملية أقضّت مضاجع "العدوّ".

 ونوّه محدّثنا إلى الدور الكبير الذي لعبه أحد أقرباء العائلة وهو أحد الأبطال الذين كان لهم دور هام وكبير في الحركة التحريرية بالبلاد وتاريخه حافل بالنضالات، وهو القائد المناضل عبد الستار عاشور الذي كان ينسّق مع مصباح الجربوع على مستوى الولاية -بما في ذلك تطاوين التي كانت آنذاك  تابعة لمدنين- للقيام بالعمليات المسلّحة ضدّ "الجدرمية"..

ما بعد عملية البئر الأحمر...

ويضيف ابن الشهيد مبروك الجربوع أنّه وعلى إثر نجاح عدد من العمليات البطولية والمناورات النوعية لعمّه مصباح الجربوع والمجموعة تحت قيادته، كالتي استهدفت الثكنات العسكرية بتاجرة والجبل الأحمر والثكنة العسكرية المتمركزة بمدنين وكذلك عملية البئر الأحمر بتاريخ 25 ماي 1952 تلك التي قُتل فيها وجُرح عدد من الجنود الفرنسيين، تمت الإطاحة في إحدى المرات بأحد المقاومين وكان شابا يافعا أُذاقته القوات الاستعمارية شتى أنواع التنكيل فاعترف تحت طائلة التعذيب بمكان تواجد المجموعة التي شارك معها في عملية البئر الأحمر المذكورة.

ويضيف بأنّه على إثر ذلك توجّهت قوات من الجدرمية إلى مكان تحصّن المجموعة المقاومة التي تمكّن عدد من أبطالها من التحصّن بالجبال (سلسلة جبال مطماطة) كما التجأ آخرون إلى ليبيا، فيما ألقي القبض على مجموعة أخرى من بينهم المناضلين عبد الستار عاشور ومحمد السنوسي وميلود البوعبيدي وغيرهم والذين تمّ نقلهم إلى أحد السجون بتونس...

وهكذا ظلّ مصباح الجربوع -الذي تمكّن من النجاة- وحده لمدة 6 اشهر وهو يتنقل  بين أمكنة مختلفة كمطماطة، بني خداش، وتطاوين حتى لا يُكشف مكانه.

ويعود بنا محدّثنا إلى يوم اغتيال الزعيم الشهيد فرحات حشاد بتاريخ 5 ديسمبر 1952، ليؤكد أنه من باب الصدفة في ذلك اليوم وبينما تمّ اغتيال حشاد صباحا نصب القائد مصباح الجربوع ومجموعته في العشية كمينا استهدف 3 سيارات تابعة لجيش الاستعمار أثناء عودتهم من منطقة بني خداش كانوا في مهمّة استخلاص الضرائب والأداءات من التونسيين والتي كانت تعرف بالتكية لدى عدد منهم آنذاك..

وقد تمّ نصب ذلك الكمين تحديدا بمنطقة عين العنبة في بني خداش الكائنة على الطريق الجبلية المؤدية إلى مدنين، وأدى ذلك إلى مقتل بعض الجنود الفرنسيين وجرح آخرين على يد مصباح الجربوع وعدد آخر من المقاومين الأبطال من بينهم المبروك بن محمد الحرابي وفرج المهداوي.

ويبيّن محدّثنا أنه ومذ ذلك الكمين تضاعف التفتيش ومحاولة تضييق الخناق على مصباح الجربوع ومجموعته بعد أن علم المستعمر من دبّرها، معتبرا أنّ عملية 5 ديسمبر 1952 كانت بمثابة اللحظة الفاصلة التي فهم فيها العدو خطورة مصباح الجربوع...

ويضيف أنّه وبعد معركة 14 أوت 1953 في جبل ميتر بين بني خداش وغمراسن وهي من أعتى المعارك  البطولية التي خاضها مصباح الجربوع واستمات فيها ومجموعته ضدّ العتاد الثقيل للجيش الفرنسي (طائرات ودبابات)، تم في اليوم الموالي القبض على والده المرحوم الحاج صالح، وعلى شقيقه المبروك جربوع (والد محدّثنا الذي استشهد بمعركة حشانة سنة 1957).

في هذه المعركة الضارية أسقط مصباح الجربوع ومجموعته عشرات القتلى من الجنود الفرنسيين ومتعاونين معهم (50 قتيلا) إلى جانب إصابة آخرين، مقابل استشهاد 5 مقاومين من بينهم صهر مصباح أما هو فقد أصيب بـ5 رصاصات طالت أماكن متفرقة من جسده ورغم خطورتها إلاّ أنه تحامل على نفسه وتمكّن من النجاة بأعجوبة هو ونفر فقط من مجموعته المقاومة.

ويشير محدّثنا في إطار استرجاع أحداث هذه المعركة الملحمية، أنّ تونسيا ورغم اشتغاله آنذاك مع فرنسا برتبة رفيعة إلّا أنّه ساهم في نجاة مصباح الجربوع حيث أنه عندما كانت القوات الفرنسية تلاحقه كان ذاك التونسي يتقدّمهم رافعا صوته محذّرا إيّاه "اجري يا مصباح راك اتخذت" (بمعنى سيتم مسكك)، كما أنّه خالف التعليمات بإطلاق النار نحوه آمرا إياهم بضرورة القبض عليه حيّا وذلك كحيلة منه لتمكينه من الفرار.

ويضيف محدّثنا أنّ ذلك التونسي أجهز على ضابط عسكري فرنسي برتبة يطنة فأرداه قتيلا على عين المكان وذلك حتّى لا يتم إلقاء القبض على مصباح الجربوع، ثمّ عاد إلى القوات التي كان يتبعها قائلا له بما مفاده أنّ "اليطنة مات ومصباح هرب"...

عوض أن يأتيه بالدواء أتاه بالعدوّ !

يواصل ابن شقيق مصباح الجربوع كلامه قائلا، إنّه وعلى إثر تمكّن مصباح من الفرار من براثن المستعمر بأعجوبة تحامل على نفسه وتوجّه الى أحد الأشخاص المتحصّنين بالجبل وعندما شعر بأنّه كان واشيا (مخازني/صبايحي) أوصاه بأن يذهب الى أحد الأشخاص ليأتيه من عنده بالدواء عند إعلامه بأنه أُرسل من قبل مصباح وقد تركه جريحا...

ويضيف بأن عمّه وبمجرّد مغادرته سارع في الرحيل لينقذه ذكائه المفرط من وشاية كادت تودي به، حيث أنه وبعد ساعة ونصف فقط من مغادرته حاصرت القوات الحكومية الفرنسية المكان الذي كان يتحصّن فيه مصباح بسبب وشاية "المخازني" الذي بدل أن يأتيه بالدواء، أتاه بالعدوّ" على قول محدّثنا.

وهكذا مكث مصباح الجربوع لمدة شهر ونصف في مكان جبلي منزو عن الأنظار حتّى شفي من جراحه، أما محمد الحارس وهو أصغر مقاوم من بين المجموعة التي تم نصب الكمين المذكور لها وهو الذي كتبت له النجاة مع مصباح الجربوع فيما استشهد وألقي القبض على البقية فإنه توجه الى مكان آخر للعمل ولم يشتبه أحد في أمره بأنه كان من "الثوّار"..

يقول محدثنا أن مصباح الجربوع وبعد استعادة صحته وتعافيه أصبح هاجسه الأكبر تكوين مجموعة فدائية ثانية وتعزيز صفوف الثوّار وجمع المزيد منهم، وقد قرّر العشرة مقاومين الذين لجؤوا إلى ليبيا إثر معركة البئر الأحمر العودة ومعاضدة صفّه، لكن للأسف وأثناء عودتهم نُصب لهم كمين على الحدود أدى إلى استشهاد 9 مقاومين فيما نجا منهم المناضل "عبد الله الجليدي" والذي استشهد بعد 3 أيام متأثرا بجراحه لكنه قبل وفاته منح كل السلاح الذي كان يحمله لمصباح الجربوع وقد تم دفنه في مكان لا يعلم به أحد.

وفي ظل تتابع الأحداث، قويت شوكة الثورة التونسية بالجنوب بعد أن استمر المقاوم مصباح جربوع في استقطاب الثوار وتعزيز صفوفهم حتّى وصل عددهم ما يقارب الـ70 مقاوما قسّمهم الى 3 مجموعات وعلى رأس كل مجموعة نصّب قائدا ينوبه.

وأكد ابن الشهيد علي الجربوع بأن القوات الاستعمارية قامت بتضييق الخناق على عائلة مصباح الجربوع حتى أنها أضحت تطمر القمح والشعير وزادها تحت التراب، وهي حيلة تهدف الى تخبئته عن أعين المستعمر الذي كان يقوم بحملات مداهمة فجئية على منزلهم ويعمد الى حرق كل ما يملكونه من أكل ومؤونة.

هذا فضلا عن تعذيب زوجته وشقيقه علي الجربوع واقتياد شقيقه المبروك وبقية اشقائه وسجنهم ما يقارب السنتين ما بين مدنين وقابس، مشيرا الى أن علي الجربوع كان الساعد الأيمن لشقيقه ومناضلا من الطراز الرفيع كان له دور هام  في الحركة التحريرية وهو الذي كان ينسّق بينه وبين بقية الثوّار الذين خيّروا الالتحاق بركب المقاومة التي التهب سعيرها بالجنوب الشرقي وحرّكت سواكن أهاليه...

عن الملحمة التي دامت 9 ساعات وربع..

وتوالت المعارك الشرسة التي خاضها القائد المقاوم مصباح الجربوع ومجموعته ضد جيش الاستعمار، ليحدّثنا السيد محمد الجربوع عن معركة وادي أرنيان إحدى الملاحم البطولية التي قادها مصباح المجاهد ودامت ما يقارب التسع ساعات وقد خاضها سنة 1953، ويشير إلى أنّه من باب الصدفة آنذاك بأن كان هنالك أحد الأشخاص وأثناء سماعه صوت تبادل إطلاق النار بين الثوّار والقوات الاستعمارية، سارع في جلب كمية من الخرطوش الذي كان يخبّؤه في منزله حتى يعزّز صفوف المقاومين لكنه لسوء الحظ تم التفطن اليه ليسقط شهيدا قبل وصوله الى قلب المعركة.

سرّ الخلاف الذي جمع مصباح الجربوع بصالح بن يوسف

وعن سرّ الخلاف الذي جمع الزعيم صالح بن يوسف بالقائد مصباح الجربوع، بيّن محدّثنا بأنّ تاريخية هذا الخلاف تعود إلى انحياز عمّه للزعيم الحبيب بورقيبة على خلفية الأحداث التي تلت الإعتراف باستقلال تونس الداخلي بتاريخ 31 جويلية 1954 وتحديدا على إثر انصياع القائد مصباح لما جاء في الوثيقة الصادرة من الجامعة الدستورية والموقّعة من قبل الزعماء "الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف والمنجي سليم والطيب المهيري والباهي الأدغم"، حيث حملت نداء إلى مقاومي (1952-1955) بضرورة وضع حد للعمليات المسلحة وتسليم السلاح قبل 31 ديسمبر 1954 مقابل التزام السلطات الفرنسيّة  بتمكين كل مـــن سلّم ســـــلاحه من المقاومين بطاقة المقيم العام الفرنسي «بطاقـــة بوايــي دي- لا تور» (Carte Boyer De La Tour) التي تقضي بعدم تتبّع صاحبها.

وأشار إلى أنّ صالح بن يوسف وبعد إمضائه للوثيقة الصادرة عن الديوان السياسي للحزب الدستوري تراجع عن ذلك ورفض الاتفاقيات التونسية الفرنسية، واعتبرها "خطوة إلى الوراء" وخداعا من المستعمر للالتفاف على الحركة الوطنية المسلّحة داعيا بذلك إلى استئناف الكفاح المسلح.

ويضيف بأنّ صالح بن يوسف طلب لقاء عمّه مصباح الجربوع الذي كان قد سلّم السلاح بتاريخ 10 ديسمبر 1954، لإقناعه وحثّه إلى العودة لصفوف الحركة الوطنية المسلّحة من جديد، وهو ما رفضه الأخير الذي استفسره في ذاك اللقاء عن سبب عدم قبوله في ما مضى استقبال المناضلين الذين توجهوا لمصر لملاقاته للتدريب، فضلا عن عدم التجاوب معهم بشأن توفير السلاح والمؤونة..

ويواصل محدثنا قائلا أن الزعيم صالح بن يوسف استنكر رفض مصباح لطلبه سائلا اياه كيف له ان يرفض طلبا لزعيم وطني، ليخبره مصباح الجربوع قائلا "ان كنت أنت زعيما فانا قائد"، مشيرا الى انه وعلى اثر انسداد منافذ الإقناع، ارتأى بن يوسف التوجه الى والد مصباح الجربوع "الحاج صالح" ظنا منه أنه سيقنعه بالضغط على ابنه وإثنائه عن موقفه وبالتالي العودة الى حمل السلاح لكن مصباح الجربوع توجه الى صالح بن يوسف بالكلام قائلا له انه عندما قرر الصعود الى الجبال والقتال من أجل الوطن لم يستشر لا والده ولا أي شخص آخر، وأنه لم يكن يتصور بأنه سيعيش مثل هذا اليوم ويشهد مثل هذا الخلاف.

هذا وأكّد محدّثنا انّ مصباح الجربوع وعائلته لم يهينوا يوما اليوسفيين ولم يجرّحوا في أيّ شخص اختلف معهم في المواقف ولهم في ذلك كل الأدلّة والحجج والبيّنات.

تجدر الإشارة في هذا المنحى إلى أنّ 13 سبتمبر 1955 هو تاريخ عودة الأمين العام للحزب الدستوري صالح بن يوسف آنذاك إلى تونس ليقود المعارضة ضد اتفاقيات الاستقلال الداخلي..

في المقابل أكد محدثنا أن الزعيم الحبيب بورقيبة كان يكنّ لمصباح الجربوع  كلّ الاحترام والتقدير وكان وفيّا لتضحياته، مشيرا إلى أنّه وفي إحدى المرات قام بطلب لقائه واستفسره خلاله إن كان يبتغي شيئا جزاء لما فعله من أجل خدمته لتونس لكنه أعلمه بأن كل ما كان يريده ويرجوه هو استقلال هذا الوطن وتحريره من ربقة الاستعمار دون طمع ولا جزاء.

Aucune description disponible.

استشهاد المناضل مبروك الجربوع..

وعن عملية استشهاد والده المناضل مبروك الجربوع، أبرز محدثنا أن والده كان مناضلا وطنيا لم يتوانى يوما عن خدمة بلاده لتحقيق حلمه باستقلالها وارتقى شهيدا في معركة حشانة بتاريخ 1957 ليتركه رضيعا يبلغ من العمر سنة واحدة يعاني آلام اليتم والقهر والحرمان من التعليم ومن كلمة "يا بابا"، مشيرا إلى أنّه ورغم كل ما حدث كانت عائلة الجربوع وفية لتونس ولترابها..

Aucune description disponible.

الشهيد مبروك الجربوع

ويؤكد محدّثنا أنّه ورغم ما بذلته عائلة مصباح الجربوع في سبيل تحرير تونس من نضال ووفاء ودماء زكيّة طاهرة روت تراب هذا الوطن العزيز (قدّمت شهيدين "مصباح وشقيقه مبروك الجربوع")، إلّا أنّ أطرافا برزت بعد ثورة جانفي/ديسمبر، حاولت التقزيم من الدور النضالي لمصباح الجربوع الذي قاوم ومات شهيدا فظُلم وهُضم حقه كما أمِلت في طمس ما بذلته عائلته من تضحيات جسام وذلك من خلال سعيها في بثّ الإشاعات والمعطيات الزائفة والأراجيف المشوّهة لكنها لم تنجح في ذلك.

ويضيف ليؤكد بأنّ كامل معتمدية بني خداش تعيش الظلم والحرمان ولم تنل حقّها الذي يليق بمنطقة شجّرت بذور المقاومة وأزهرت ربيع التضحيات لتحرير الوطن وكانت أرضا ولّادة للأبطال من شهداء ومعذّبين ومعتقلين... 

من جهة أخرى أكد محدّثنا أنّ عائلة مصباح الجربوع ساندت الجزائر خلال ثورتها التحريرية، حيث كانت الأسلحة تُجمّع داخل منزله ثمّ يتم إرسالها لثوارها لدعمهم في كفاحهم المسلّح ضد المستعمر ويستند في ذلك إلى وثائق واثباتات وحجج بحوزة العائلة.

عن معركة رمادة 25 ماي 1958

وعن معركة رمادة التي استشهد فيها مصباح المجاهد بتاريخ 25 ماي 1958،  أفاد محدّثنا انّها وكما بيّنه المؤرخون والمهتمون بجذور الحركة الوطنية بتونس فقد كانت نتاجا لرفض الجنود الفرنسيون ملازمة ثكناتهم وعدم التزامهم باتفاقيات الاستقلال الداخلي خاصة على اثر الغارة النكراء التي شنّها الجيش الفرنسي في 08  فيفري 1958  على ساقية سيدي يوسف في خضم حرب التحرير الجزائرية ومناصرتهم للقضية آنذاك ليدمّر تلك المدينة الواقعة على الحدود مع الجزائر فاستشهد العشرات من سكانها وسقط الكثير من الجرحى.

وعلى إثر هذه الواقعة، عاد مصباح ليحمل لواء الكفاح المسلّح من جديد فشارك في معارك الجلاء ونصب الكمائن وقاد العديد من المعارك وصولا إلى معركة رمادة التي استبسل فيها رفقة مجموعته ضدّ القوات المعادية التي باغتتهم في أرض منبسطة لا مكان فيها للنجاة، حيث انهال عليهم بوابل من الرصاص بواسطة طائرات هيليكوبتر فرنسية ليستشهد مصباح الجربوع وبعض الثوار الأحرار الذين كانوا معه وقد تمّ العثور على جثامينهم بعد شهر ويوم من البحث عنها.

وتجدر الإشارة هنا بأنّ الزعيم أحمد التليلي كان أيضا بطل معركة رمادة المفصلية في تاريخ الحركة الوطنية، كما لعب دورا هاما في الإعداد للأعمال العسكرية ضد الحضور العسكري الفرنسي بالجنوب، فضلا عن تنسيقه للمساندة التونسية للكفاح المسلح والسلمي في باقي المستعمرات الافريقية...

ملحمة حبّرت سطورها بطلات شرسات

لم تكن المرأة التونسية غائبة عن المعركة التحريرية بالجنوب الشرقي بقيادة مصباح الجربوع، وقد تنوّعت أشكال هذا الحضور واختلفت تمثّلاتها إمّا بدعم المقاومين من أزواج وأشقاء وأبناء لوجستيا بإخفاء الأسلحة عن أعين المستعمر وإمّا بحياكة أو توفير الملابس والمؤونة لهم وحملها لهم في الجبال أو في مخابئهم وأحيانا أخرى بنقل المعلومات فيما بين الثوّار أو إعلامهم بتنقلات القوات الإستعمارية.

في هذا الإطار مدّنا السيد محمد الجربوع بقائمة حصرية لعدد من البطلات الشرسات من اللواتي كسرن كل الحواجز وأكّدن أنّ النضال مهما اختلفت أشكاله لم يكن يوما حكرا على جنس معيّن فلم يثنيهنّ ما تعرضن له من ضرب وتعذيب وتنكيل فضلا عن إقامة جبرية واعتقالات من خطّ طريقهن في درب النضال والصمود...

فاطمة بن علي بن كريّم زوجة القائد المجاهد مصباح الجربوع، بطلة ذات صمود استثنائي، تم اعتقالها في المحتشد رفقة أبنائها ووالد زوجها الحاج صالح لعدّة أشهر، وإذاقتها شتى أنواع التعذيب والتنكيل الجسدي والمعنوي، ما تسبّب في إصابتها بأمراض نفسية حادّة لازمتها بعد استشهاد زوجها لسنوات طوال وقد أدّى تناولها المفرط للمهدئات في تضرّر كبدها لتوافيها المنية سنة 1981.

Aucune description disponible.

غالية بن صالح جربوع شقيقة مصباح الجربوع وزوجة المناضل صالح بن سالم والتي أكملت مسيرته النضالية بعد وفاته لمرض ألمّ به، فدعمت المقاومين المرابطين بالجبال وكانت تقوم بتأمين مؤونتهم..

سالمة بن صالح جربوع كانت تدعم المقاومين بالمؤونة وهو ما أدّى إلى تعرّضها إلى شتى أنواع المضايقات والمداهمات المتتالية لمنزلها من قبل قوات الجيش والجندرمة الفرنسيَيْنِ.

حدّة الجامعي.. والدة المقاوم عمّار الزطاري، في إحدى المرات وبينما كانت تحمل في الليل للمقاومين المرابطين بالجبل زادهم من الأكل والشراب تعرّضت الى لدغة أفعى سامة فقامت بربط ساقها المصابة وتحاملت على نفسها مسرعة حتى تعود الى منزلها قبل بزوغ الشمس حتى لا يعلم الناس بأمرها ويقومون بتعقّب أثرها وصولا الى مكان تحصّن الثوّار.

+  علياء المهداوي.. ربيبة المقاوم علي بن عمّار، كانت تدعم سرّا المقاومين المرابطين بالجبال بالمؤونة وتوفير كل ما يلزمهم.

+ مبروكة بريمي.. والدة المقاوم الشهيد علي بن عبد الله بريمي الذي استشهد في معركة جبل ميتر سنة 1953، تحاملت على أوجاع الفقدان ودعمت المقاومين عن طريق توفير مؤونتهم اللازمة.

+ بيشة محمّدي.. زوجة المقاوم محمد الأسود، تم اعتقالها في السجن كوسيلة ضغط مارسها المستعمر حتّى ينشقّ زوجها عن الكفاح المسلّح..

+ غالية البوعبيدي زوجة المقاوم عبد الكريم بلكوري، تم اعتقالها في المحتشد عديد المرات وتواصل إيقافها في كل مرّة ما بين الشهرين الى الـ4 أشهر..

+ عائشة بنت محمد الحمروني والدة البطل مصباح الجربوع تم اقتيادها الى المحتشد ووضعها تحت الاقامة الجبرية وتعريضها إلى شتّى أنواع الضرب والتعذيب.

عزيزة بنت أحمد... زوجة المناضل علي بن مبروك بوقرنين، بطلة استثنائية ولدت من رحم نضالات الجنوب الغربي تحديدا ولاية قفصة من منطقة الساكت "بوسعد" معتمدية القطار ، تجنّدت هي وزوجها من أجل مساعدة المقاومين وتخبئتهم عن أعين المستعمر وتوفير المعلومات التي كانوا يحتاجونها كرصد تحركات القوات الاستعمارية..

 إعداد: منارة تليجاني