الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الباحثة في علم الاجتماع هدى نعمان: شاب سيدي حسين يُمثلنا كلّنا وتونس أضحت للعديدين بلدا لا يطيب فيه العيش

نشر في  12 جوان 2021  (11:47)

تساءلت الباحثة في علم الاجتماع هدى نعمان، في لقاء جمعنا بها، عن الأسباب التي منعت التونسيين من الخروج للشارع للتعبير عن استيائهم من تردي الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية. واعتبرت محدثتنا في هذا السياق انّ كلّ الظروف مهيأة لحراك اجتماعي رافض لتدهور هذه الاوضاع ولانهيار مؤسسات الدولة سواء كان ذلك في قطاعي الصحة و التعليم او غيرها من القطاعات.

واشارت محدثتنا الى أنّ النخب والمثقفين والمناضلين والسياسيين والناشطين في المجتمع المدني هم من يبادرون عادة بالتوّجه الى الشارع للتعبير عن غضب عموم التونسيين وعدم رضاهم عن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية، غير انّ حساباتهم السياسية وملفات الفساد حالت دون مبادرتهم بقيادة هذا الحراك رغم أنّ الارضيّة سانحة لذلك وأنّ "الدق وصل للدربالة".

أما بالنسبة للناشطين في المجتمع المدني، فقالت نعمان انّ وضعية الرفاهة التي اضحوا فيها عطلت ردود فعلهم المنتظرة حتى اصبحوا غير قادرين على تعبئة الشارع، "تعودوا على المكيّفات والمنابر الاعلامية والنزل و"البوز كافي" وتجاهلوا خطورة الاوضاع التي آلت اليها البلاد".

وفي مقابل ذلك، ذكرت الباحثة في علم الاجتماع أنّ المواطن التونسي ظلّ في مهب الريح، تتقاذفه أمواج المجهول، بينما انّ اللحظة سانحة ليقول "ديقاج" لمن وضعوا دستورا ملغما بالثغرات، وللذين استحوذوا على مؤسسات الدولة وللذين استولوا على اموال التعويضات والدعم والاعانات فضلا عمن سرقوا وهرّبوا وممن تسببوا في خراب الدولة. "هؤلاء يستحقون المحاسبة وعليهم ان يغادروا مناصبهم، فالدولة اولى بالوطنيين الذين بإمكانهم الدفاع عنها لا على مصالحهم الخاصة" قالت الباحثة.

ومن ناحية اخرى، عبرت هدى نعمان عن مخاوفها من يوم ستثور فيه الطبقات المهمشة والتي ستأتي على الأخضر واليابس وحينها لن تنفع مفاتيح البيوت ولا الاسوار العالية، وحتى حاملي السلاح لن يقدروا على المواجهة لأنّ الغاضبين مُسّوا في قوتهم اليومي وفي كرامتهم، جاعت صغارهم وغادرت المدارس.

واشارت نعمان الى النسبة المفزعة للتلاميذ المغادرين للدراسة من غير ان تتحرك ساكنة أي طرف لوضع حدّ لهذه الكارثة. وقالت: "هؤلاء لن يخيفهم السجن ولا الموت، بل هم ركبوا قوارب الموت لمغادرة البلاد التي لم يعد يطيب فيها العيش للأغلبية الساحقة. تونس البلد الرائع بشواطئه واراضيه وجنانه وبشمسه وضوئه وصباحه ولا يطيب فيه العيش مع الاسف الا لأقليّة. اما الاغلبية الساحقة فأصبحت تعاني من أجل ضمان قوتها اليومي، من أجل دينارين من الدجاج وشيء من الطماطم والمعجنات وعلبة سجائر. نواقيس الخطر تدق منذ مدّة ولم يستمع اليها أحد ممن ذكرناهم اعلاه".

غير انّ محدثتنا حملت الشعب ايضا قسطا من المسؤلية لما يحدث له قائلة: "الشعب يتحمل ايضا قسطا من المسؤولية، فقد جاءته فرصة الفعل ولكن ارادة الفعل لم تكن متوفرة لديه. استسهل التيار ولم يتصدى للفاسدين وللذين كذبوا عليه و خذلوه. هناك شيء اسمه المسؤولية تجاه الوطن، ويبدو انّ التونسي لم يستبطن هذه الفكرة تاريخيا. و لهذا ظلّت الوطنية فكرة جوفاء لم ترتقي لتكون حاضنة للمسار الثوري حتى يحقق اهدافه".

وبشأن ما حدث في جهة سيدي حسين من اعتداء على شاب من قبل عدد من اعوان الأمن، اعتبرت نعمان انّ لبعض التونسيين وهم "الأمن الجمهوري"، في حين اننا نفتقد لأمن جمهوري حقيقي. ودعت محدثتنا للاطلاع على التكوين الذي يخضع له الأمنيون، وهل تم تحديثه مع ما يناسب المنظومة الحقوقية. وتساءلت: "لماذا يعادي "البوليس" المواطن؟ ولعّل مثال الاعوان الذين يتخفوّن في المفترقات خير دليل عن افتقادنا للأمني الذي يوّجه قبل ان يردع. ولن نبالغ ان قلنا اننا نعيش في منظومة بوليسية تخيف المواطن عوض ان تبعث فيه الاطمئنان. الحقيقة انهم سحلوا الطفل القاصر في سيدي حسين، وحتى لو افترضنا انه عرى نفسه، فقد كان على رجل الأمن، وهو هنا يستحق لقب البوليس ولا رجل الأمن، ان يستره ويركبه سيارة الشرطة بطريقة انسانية، لا ان يتم سحبه مثل الحيوان.

وأضافت نعمان: "هذا الشاب يمثلني ويمثل رئيس الحكومة وكل السياسيين الذين لم يكونوا في المستوى. لقد أُهين وأُهننا نحن معه. في الدول التي تحترم نفسها، يحاسب من يرتكب مثل هذه الانتهاكات وحتى اولياء الأمور يحاسبون. امّا هم فيفعلون ماذا يريدون، وليذهب الشعب الى الجحيم!".

وفي كلمة اخيرة، استحضرت الباحثة في علم الاجتماع روح الفقيد مالك الصغيري الذي غيبته الموت منذ يومين في حادثة أليمة قائلة: "حزني على أحد ابناء تونس، على خيرة شبابنا، على تاريخ الحركة الطلابية والشبابية وتاريخ "مانيش مسامح". مالك الوجه المضيء لتونس... لقد خسرنا نفسا وفرصة ان نعبر الوادي ونفرح بشاب من خيرة شبابنا.. وحتى ميتته فتشبهه في مبادرته في الدفاع عن الآخر. مصابنا كبير فيه، رحمه الله".

شيراز بن مراد