الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في مسرحية "لنقار" لهيكل الرحالي: حكايات جنسانية ملوّنة وخاطفة لأناس بسطاء

نشر في  12 ديسمبر 2020  (15:42)

يحيل عنوان مسرحية "لنقار" مباشرة الى الاطار المكاني الذي تدور فيه وقائع العمل المسرحي الجديد للمخرج هيكل الرحالي ولكنه يخاتل بشأن التيمة. فبعيدا عن المشاكل الاجتماعية والهموم الحياتية لعمال احدى محطات السكك الحديدية، يثير العمل تيمة المخيال الجنسي والتصورات او التمثلات المحاطة به لدى افراد المجتمع.

بفضل سينوغرافيا محبوكة، يتعرض المخرج سواء من ناحية المضمون او من الناحية البصرية الى الجنسانية وهذه العوالم الشخصية والحميمية التي غالبا ما يكون مسكوت عنها، واذا ما تم التطرق اليها، فبالتلميح وباللغة المبطنة ومن وراء الأحجبة.

يعطي اذا المخرج في عمله الجديد الذي عرض مؤخرا بفضاء التياترو -مع احترام إجراءات التباعد الجسدي- الكلمة لفئة نادرا ما "تبوح- تقول-تعبر" عما يختلجها من استيهامات وفانتازمات في السياق الجنسي، وغالبا ما يكون اطار تعبيرها اطارا اجتماعيا بحتا يشكو من تدني الأجور ومن تدهور الأوضاع المهنية، وفي أفضل الحالات من روتينية الحياة.

يفسح لها اذا المخرج الكلمة بأسلوب استعاري يعكس مخيالها والمخيال الجنسي للمجتمع برمته. مجتمع مصغر مقتبس من المجموعة الأكبر بمكانيزماتها السلطوية وعلاقاتها المتشعبة وما ترسخ فيها من ترسبات ثقافية. فلكل فرد هواجسه الحياتية ورغباته الجنسية وتمثلاته حتى لو حكمت عليها المواضعات المجتمعية بالصمت وبالمنع والتحريم.

ومن خلال نص يتطرق للقضية الجنسية ويدور فيه النقاش بين رئيس المحطة (اسكندر براهم) ومجموعة من المنظفات (سمر صمود، وأروى الرحالي، وإيناس بن موسى، وغزوة قلوب) بالإضافة الى قاطعي التذاكر (بلال سلاطنية  وصابرين الغنودي )، يتجلى المخيال الجنسي لكل واحد منهم، فهذه طبعها مازوشي تحلم برجل سادي "قاسي الطبع" في ممارساته الجنسية وهذا متحفز لحميمية مستعجلة لا تقبل الانتظار.

وبفضل المراوحة بين الجانب الكوميدي وما يدخل في صميم الموضوع المسرحي، يتوّفق المخرج في تمرير رسالة فنية أولى الا وهي اعطاء الحق في التعبير عن هذا المخيال الجنسي المكبوت والمسكوت عنه في غالب الأحيان لفئة اجتماعية أضناها درك الحياة حتى قبرت مشاعرها وإمكانيات التعبير عن رغباتها التي تمثل جزءا لا يتجزأ من حاجياتها ككائنات بشرية.

هذا الى جانب الاشتغال عن معجم لغوي يتماشى مع قاموس المخيال الشبقي في منحاه العاطفي من شوق وانتظار وحنين فتكشف احدى المنظفات انتماءها لحزب "يضرب الحب شو بيذل" ويعتمد الاخر اسطوانة الكلام المعسول المتعارف عليه مثلا.

ومن الأشياء الاخرى التي توفقت فيها مسرحية "لنقار"، بعدها الجمالي الذي ارتكز على أداء الأجساد وأدواتها المهنية على غرار المكانس وغيرها من ديكور المحطة وألوان الثياب التي صبغت العمل بطابع معاصر فيه إيقاع سريع يجاري حركة القطارات واستعجال المسافرين وما تتطلبه اللوحات الراقصة في هذه الحالة من كوريغرافيا متسارعة النسق ومتناغمة مع الموضوع الحميمي.

من سواد ركح المحطة، نبعت في "لنقار" حكايات ملوّنة وخاطفة لأناس بسطاء يتخيلون ويحلمون كبقية البشر باستكمال ذواتهم وبالتحرر ولو لفظيا من القيود التي يضربها المجتمع حتى على ابسط الحاجيات الإنسانية.

-تقدم مسرحية Langar مجددا بفضاء التياترو يومي الجمعة والسبت 18 و 19 ديسمبر على الساعة السادسة مساء يوم الجمعة و الخامسة مساء يوم السبت.

شيراز بن مراد