أخبار وطنية عددهم بالآلاف: مهاجرون تونسيون محرومون من جوازات سفرهم ومن الحقوق الاجتماعية والصّحية في بلدان إقامتهم
ملف من انجاز علي العبيدي
سلوى القابسي إمرأة أعمال شابة راحت كل أحلامها في النجاح بحرمانها من جواز سفرها التونسي. كانت قد تخلصت أكثر من أي وقت مضى من عبئ تسديد الصكوك البنكية التي سبقت وأن أصدرتها في فترة اندلاع الثورة التونسية ولم تتمكن من دفعها حيث أكدت في حديثها لموقع "الجمهورية" أنها متضرّرة هي الأخرى بنفس الطريقة جراء أحداث ما بعد الثورة ولم تتمكن من تصريف صكوك أخرى تلقتها من حرفاء شركتها التي تختص في التصدير و التوريد بميناء رادس في تونس.
لسوء حظها تزامن تاريخ إنتهاء خلاص آخر الصكوك التي عليها مع تاريخ إنتهاء صلوحية جواز سفرها التونسي كذلك ولم تتمكّن من تجديده . لم تنتهي الأمور هنا بل أنها خسرت عملها بإعتبار حساسية المكان وهي تعمل بمطعم أحد المطارات الألمانية حيث يستوجب على العملة هناك الاستظهار بجواز السفر كامل أوقات العمل حسب ما أكدته لنا.
إزداد الوضع سوء يوم 2 ماي الفارط مع إنتهاء صلوحية بطاقة إقامتها بألمانيا لتدخل في دوامة يعيشها مهاجرون كثيرون منتشرون حول العالم.
تقول سلوى أنها توجهت لتجديد الجواز الى القنصلية التونسية بألمانيا ففوجئت برفض التجديد وأعلمت بأن إستخراج جواز سفرها لا يمكن أن يكون إلا في تونس بعد تسوية الوضعية القانونية أمام القضاء التونسي بالرغم من خلاص كل الصكوك وتقول انه اقتُرح عليها أن تتحصّل على رخصة مرور من صنف "أ" صالحة فقط للرجوع إلى البلاد التونسية. رفضتها محدّثتنا معتبرة إياها بالنهاية. وعن سبب رفضها لهذه الرخصة تقول سلوى في حديثها لنا أن عودتها قبل تجديد بطاقة إقامتها أمر ينهي مستقبلها المهني والإجتماعي لأنها لن تتمكن من العودة لبلد إقامتها بعد أن غادرتها دون تجديد تأشيرتها و هو أمر لن يسمح لها في ما بعد بإستكمال تسديد ما سينطق به القضاء التونسي.
بصيص أمل آخر جعل مئات من التونسيات والتونسيين في العشرات من دول العالم ينتفضون من أجل حقّ دستوري. تعالت أصواتهم منادين السلطات التونسية بتمكينهم من حقهم الدستوري في الحصول جوازات سفرهم …
حملة "#سيب_الباسبور "
حملة "#سيب_الباسبور " انطلاقتها كانت لا تحمل طموحا بقدر ما تحمله اليوم. حملة انطلقت منذ بداية شهر فيفري الماضي بعد أن أصبحت حياة عدد كبير من الشباب المحرومين من جوازات سفرهم، مهدّدة بالخطر جرّاء تفشي فيروس الكورونا المستجد في كافة أرجاء العالم. المطلب وحيد لكن عدد المطالبين به يزداد يوما بعد يوم وساعة بعد أخرى، حالات مختلفة لتونسيين وجدوا أنفسهم عالقين في مكان ما من العالم بسبب عدم تمكّنهم إما من استخراج جواز السفر أو من تجديده بسبب أحكام قضائية صادرة ضدّهم أو حتى بسبب خطايا مالية أو ربما شجار في إحدى أزقة المدن التونسية... كلّها أمثلة من حالات متكرّرة لتونسيين في المهجر.
الوضع يبدو حرجا هذه المرة بالنسبة للمهاجرين التونسيين المحرومين من جوازات سفرهم خاصة وأن موضوع تسوية وضعيات المهاجرين الغير الحاملين لإقامة، أصبح مطروحا بشكل كبير في الساحة السياسية، ففي إيطاليا حلم التسوية أصبح حقيقة لكن بعض التونسيين سيحرمون من الإنتفاع به بسبب حرمانهم من جوازات سفرهم أما في فرنسا فقد تقدّم عدد هام من النواب بطلب للحكومة الفرنسية من أجل تسوية وضعيات المهاجرين.
رابط نسخة من هذا الطلب
https://docs.google.com/document/d/1myXe07Y_7pcI8XiuCCeWHGL23fdkeIehuK31iGd8TXg/edit?usp=sharing
في تونس وأثناء فترة حكم الرئيس المخلوع "زين العابدين بن علي" كان جواز السفر وسيلة طالما استغلّها النظام التونسي المسقط بثورة 17 ديسمبر 2010، لتكريس الدكتاتورية من خلال سلب المعارضين لحكم بن علي و النشطاء والسياسيين لجوازات سفرهم حتى وإن كانوا خارج تونس على غرار رئيس البرلمان التونسي الحالي و رئيس حركة النهضة التونسية "راشد الغنوشي" الذي حرم من جواز سفره لمدة 22 سنة حسب ما صرح به في إجتماع شعبي يوم الأحد 26 أفريل من سنة 2015 بمدينة بنزرت حيث قال آنذاك أن جواز السفر هو حق لكل تونسي وهو ليس منّة من الدولة ويجب أن يتمكن التونسي من الحصول على جوازه أينما كان.
حالات عديدة عاينّاها مع تونسيين بين معاناة المهجر وباء الكورونا. معاناة مزدوجة من خلال الحرمان من الحق في المواطنة والاعتراف بهم داخل تونس و خارجها.
تونسيون بلا هوية
فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وألمانيا وليبيا وتركيا معاقل لتونسيون متروكون منذ سنوات بلا هوية ولا حقوق حتى خارج الأراضي التونسية لكن بسبب إجراءات تونسية لا مستفيد منها. حيث ينص الفصل 21 من القانون عدد 40 لسنة 1975 والمتعلق بجوازات السفر ووثائق السفر والذي تم تنقيحه سنة 2004 على أنه " في صورة ظهور مانع يحول دون تسليم جواز سفر أو تجديده أو تسليم نسخة منه مطابقة للأصل، وكذلك في صورة سحبه أو سرقته أو ضياعه، يمكن منح التونسي بالخارج رخصة مرور من صنف "أ" صالحة فقط للرجوع إلى البلاد التونسية أو إلى تراب بلد الإقامة فحسب. "
إجراء تعسّفي يحومه الغموض منعهم من جوازاتهم، يحرمهم اليوم وفي هكذا وضع إستثنائي ووبائي حتى من حقهم في الصّحة على أراضي البلدان التي يقيمون بها، الأمر الذي يواجه صابر الزريبي وعائلته المتكونة من خمسة أفراد من بينهم طفل من ذوي الاحتياجات الخصوصية بإحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس.
في فرنسا السلطات تشترط الاستظهار بجواز السفر “الهويّة“ للتمتع بالحقوق في الحماية الصحية حسب تعبير الأب صابر في حديثه لـنا. الأمر ذاته يتأكد من خلال إستمارة فتح حقوق الرعاية الصحية بفرنسا حيث يشترط في كل الحالات الإستظهار ببطاقة الإقامة أو بجواز السفر على الأقل بالنسبة للمهاجر حسب موقع التأمين الصحي الرسمي الفرنسي.
رابط الإستمارة
الطّفل محمود الحامل لبطاقة الإعاقة يحدّثنا والده عن الصعوبات الحياتية اليومية التي تواجهه وتحرمه رفقة بقية أفراد عائلته من حقوقهم الاجتماعية والصحية خاصة.

بطاقة إعاقة ممنوحة من السلطات الفرنسية
الأبن حرم حتى من حقه في إجراء عملية جراحية دقيقة على مستوى الرّأس، بعد عدم تمكن والده من تجديد إقامته جرّاء رفض السلطات التونسية تمكينه من تجديد جواز سفره على خلفية أحكام صادرة ضدّه في تونس بسبب صكوك بنكية دون رصيد. يقول صابر أنه "كان فيها ضحية عدم التزام بعض المتعاملين معه فترة الثورة بسبب تسارع الأحداث وقتها".
منظمات حقوقية على الخط
كلها أسباب جعلت حتى بعض المنظمات الحقوقية الفرنسية تهتم لوضعيته حيث راسل عدد منهم البعثات الدبلوماسية التونسية لكن دون رد. أمينة صندوق الجمعية الفرنسية "حراك ضد العنصرية من أجل الصداقة بين الشعوب" السيدة تيراز لوارا وهي التي تابعت ملف صابر وعائلته، تحدّثت لنا مؤكدة أن القنصلية العامة التونسية لم ترد على أي من المراسلات للتي وجهتها الجمعية بشأن وضعية المهاجر صابر وعائلته من خلال البريد الإليكتروني للقنصليّة .
كما أضافت محدّثتنا أن صابر تعرّض للمساءلة من طرف أعوان القنصلية التونسية ببونتان بالعاصمة الفرنسية باريس على خلفية أخر مراسلة تلقوها بشأنه بتاريخ 4 أكتوبر 2019 من طرف هذه الجمعيّة مستنكرين استنجاده بالمنظمات الحقوقية بالرغم من عدم تلقي رد على هذه المراسلة حسب ما أكّدته لنا محدّثتنا.
ذات الأمر يؤكّده صابر الذي أصرّ على تسمية ما تعرّض له بالهرسلة حين توجّه أخر مرة لطلب تجديد جواز سفره بالقنصلية التونسية شهر نوفمبر 2019 .
من جهتها أضافت أمينة صندوق الجمعية أنها تابعت من خلال صابر ملفات عشرات الحالات لتونسيون محرومون من جوازات سفرهم وقالت أنها تابعت تحركاتهم الاحتجاجية أمام القنصليات التونسية بفرنسا في إطار متابعتها لملف صابر، على غرار الوقفة الإحتجاجية التي نفذوها يوم 7 مارس 2020 الفارط أمام القنصلية التونسية بدائرة بونتان بالعاصمة الفرنسية بباريس.

مراسلة وجّهت إلى القنصلية التونسية في باريس من طرف الجمعية الفرنسية " حراك ضد العنصرية من أجل الصداقة بين الشعوب"
تحركات شملت أكثر من 13 قنصلية تونسية
ويذكر أن هذه التحرّكات أصبحت تأخذ نسقا تصعيديا سلميا حيث يتم تنفيذ تجمّعات إحتجاجيّة دورية وذلك كل يوم سبت بداية من الساعة التاسعة صباحا . تحركات شملت أكثر من 13 قنصلية تونسية حول العالم في كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبكجيكا وإسبانيا كما تم غلق القنصلية التونسية بباريس بانتان لمدة 45 دقيقة لأربع أسابع متتالية من طرف المحتجين كحركة إحتجاجية تصعيدية سلمية منهم . ولاقت هذه الحركة تحية من طرف بقية المهاجرين من غير المحتجين والملازمين لأماكنهم في الصفّ حتى إخر منعطف الشارع و الذي قدموا للقنصلية قصد الإنتفاع بخدمة قنصلية أو ما شابه .
عدم تمكن الأب صابر من تجديد جواز سفره جعله وعائلته مع غيره من المهاجرين المحرومين من تجديد إقامتهم ثم إلى المقيمين غير الحاملين لبطاقات إقامة.
تعسف إضافي يجابه الأب، بالرغم من أن بطاقة إقامته بفرنسا جاهزة والسلطات الفرنسية أعلمته بهذا منذ شهر جويلية من سنة 2019 لكن تسلمها يتطلّب الاستظهار بجواز سفره.

إرسالية من طرف محافظة فارساي الفرنسية لإعلام صابر بجاهزية بطاقة إقامته
سالم.. شاب آخر يعاني من الحرمان من جواز السفر
سالم الشبلي شاب تونسي آخر اختار أن يغادر تونس بحرا بعد أن أدّى 6 أشهر فقط من الخدمة العسكرية ولم يستأنف بعد قضاء الإجازة التي مكّنته من مغادرة معسكر التّدريب سنة 2012.
كان يبلغ من العمر 26 سنة لكن ولحد اليوم لازال سالم في فرنسا يجني مخلفات عدم إتمامه للخدمة العسكرية.
حيث لازال إلى حد اليوم ممنوعا من استخراج جواز سفره وهو في سنّ 34 سنة بسبب حكم قضائي صادر ضدّه بالسجن لمدّة 6 أشهر مع النّفاذ العاجل، حسب ما أفاد في حديثه لنا.
وافقت السلطات التونسية فقط على تمكينه من بطاقة تعريف تونسية لا يعترفٌ بها في فرنسا كوثيقة رسمية. أمر مكّنه من تسجيل زّواجه بالقنصلية التونسية بباريس لكن لم يتسنى له تسجيله لدى السلطات الفرنسية من خلال بلدياتها لعدم حوزته على جواز سفر الأمر الذي يتركه في خانة المقيمين الغير متمتّعين بالحقوق الاجتماعية له ولأفراد عائلته وهو في انتظار مولود جديد لن يحمل اسم والده لدى السلطات الفرنسية بل أنه لن يتمكّن من تسجيله حتى.
إستطاع سالم في فرنسا أن يدخل سوق الشغل حيث تمكن من إمضاء عقود عمل عديدة وفتح حساب في البنك الفرنسي وأصبح مندمج في سوق الشغل الفرنسية ويتحصل على شهادات خلاص من مشغليه.
يقول سالم لـنا ”تبخرت أحلامي في كل مرة، اعتقدت فيها مخطئا، أنني قادر على مواصلة العيش كإنسان" مؤكدا أن القانون الفرنسي يسمح له بحق الحصول على بطاقة الإقامة لكن عدم حيازته لجواز سفره الذي يثبت هويته التونسية يقف مانعا أمامه لتسلم بطاقة أقامته.
في تعليقه على حالات عديدة طرحناها على المحامي التونسي "محمد العامري" المتابع لثماني 8 ملفات لمهاجرين تونسيين محرومين من إستخراج أو تجديد جوازات سفرهم في تونس اعتبر الأمر تجريدا للمهاجر التونسي من إنسانيته لا من حقه في المواطنة فحسب.

محمد العامري : محامي
وأكّد أن جواز السفر هي الوثيقة الوحيد التي تثبت هوية المهاجر التونسي خاصة أن أغلب المتضررين متواجدون في بلدان أوروبية ينتشر فيها فيروس كورونا بشكل كبير في هذا الوضع الاستثنائي وأضاف أنّه حتى في حالة وفاة مهاجر تونسي دون جواز سفر لا يتم إعلام السّلطات التونسية رسميا بوفاته ولا يسلم جثمانه.
من جهتها قالت النائبة بالبرلمان التونسي عن دائرة فرنسا الشمالية "السيدة الونيسي" في حديثها لنا يوم 18 أفريل الفارط، أن الأمر أصبح بمثابة المعضلة التي باتت تلازم عددا كبيرا من المهاجرين.
وحسب إحصائيات غير رسمية في ظل غياب أي إحصائيات رسمية محيّنة تخص التونسيين بالخارج فإنّ عدد المتضررين جراء حرمانهم من جوازات سفرهم التونسية، يقارب السبعة آلاف مهاجر تونسي. وفقا لما أكّده لنا السيد أمين العيدلي رئيس جمعية "توانسا في فرنسا" الناشطة في مجال حقوق المهاجرين التونسيين.
( رابط هذه الجمعية)
https://www.facebook.com/tunenfrance/
كما اعتبرت الونيسي الأمر بحرمان المواطنين من الحقوق الفردية والأساسية وحقوق الإنسان عامة وقالت أنّه لا يجوز سلبٌ أي مواطن من حقه الأساسي في الحصول على جواز سفر بمجرد صدور حكم جزائي في حقه.
وطالبت وزارة الداخلية، الجهة والمشرفة على عمليات استخراج وتجديد الجوازات إلى جانب البعثات الدبلوماسية بمراجعة هذا الأمر ومعالجة هذه الملفات خاصة مع تردّي الأوضاع أكثر في ظلّ تواصل انتشار فيروس'' كوفيد 19 ''في العالم.

سيدة الونيسي : نائبة بمجلس نواب الشعب
وعن إمكانية تقديم مقترح أو عريضة مباشرة لرئاسة الحكومة خاصة في ظلّ توفر وضع سياسي استثنائي يخول للحكومة إمكانية إصدار مراسيم من شأنها أن تنقذ عددا هاما من التونسيين، تحدّثت لنا النائبة عن حزب حركة النهضة بدائرة فرنسا 1 بتاريخ 18 أفريل 2020 ”سنسعى خلال هذا الأسبوع للاجتماع افتراضيا من خلال شبكة الأنترنات مع بقية النواب بالدوائر الفرنسية والبالغ عددهم 5 نواب، قصد تقديم عريضة لرئاسة الحكومة التونسية للمطالبة من خلالها بتسوية وضعيات التونسيين المحرومين من جوازاتهم خارج الأراضي التونسية خاصة بصفة استعجالية“.
ونشرت النائبة الونيسي لاحقا وبتاريخ يوم الأربعاء 22 أفريل عبر صفحتها على وسائل التواصل الإجتماعي رسالة ممضاة من طرف كل من النواب " السيدة ونيسي، ليليا بالليل، عمر الغريبي، زياد الغناي و النائب ياسين العياري" عن كل الدوائر الفرنسة يطالبون فيها بتسخير الدبلوماسية التونسية للعمل على تسوية الوضعية القانونية للتونسيين المقيمين بطريقة غير شرعية وتمكينهم من وثائق السّفر التّونسيّة وضمان حقّهم في الإنتفاع بالخدمات القنصليّة بما يحقق المساواة بين التّونسيّين.
https://bit.ly/2xQ50Cg
رسالة توجه بها النواب لكل من رئاستي الجمهورية والحكومة التونسيتين ووزارة النقل واللوجيستيك كذلك إلى وزارتي الخارجية والشؤون الاجتماعية إلى جانب وزارة المالية تضمنت العديد من المطالب المستعجلة للجالية التونسية فيما يتعلّق بوضعيات الطلبة والعالقين والمهاجرين الغير حاصلين على إقامة. أمر لم ترد عليه الحكومة التونسية حسب النائبة السيدة الونيسي.
لكن وفي سياق متصل أصدرت وزارة المالية يوم السبت 9 ماي 2020 قرارا بالترفيع في تعريفة معاليم إستخراج وتجديد الوثائق القنصلية المقدّمة للجالية التونسية المقيمة خارج أراضيها وذلك بداية من يوم الثلاثاء 12 ماي .
يتجاوز معدل الترفيع نسبة 300 بالمائة في تعريفة الخدمات القنصلية التونسية بالخارج مقارنة بتعريفة سنة 2019.
تعريفة إستخراج جواز السفر بالخارج إرتفعت إلى 88 أورو بعد أن كانت 30 أورو قبل قرار الترفيع أو 165 في حالة ضياعه أو إتلافه والحال ذاته بالنسبة لمعاليم الحصول على البطاقات القنصلية حيث تم الترفيع فيها من 5 إلى 17 أورو كما معاليم عقود الزواج وغيرها من الوثائق الرسمية التي يحتاجها أفراد الجالية التونسية .
إجراء أثار استنكار مكونات هذه الجالية و استياءها معتبرين انه لا يراعي الظرف الاجتماعي الصعب للمواطنين التونسين بالخارج في ظل الوضعية الحرجة التي يمرّون بها بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد في العالم والذي أدى إلى تردي أوضاعهم الإجتماعية بصفة حادة .
كما أنه لا يتلائم مع الخدمات المقدمة من خلال القنصليات التي لم تتم رقمنتها بعد. قرار الترفيع جعل فئات المجتمع المدني تتحرّك وتصدر عريضة لجمع الإمضاءات عن طريق جمعية توانسا في فرنسا التي دعت من خلال هذه العريضة إلى تمكين كل مواطن تونسي من جواز سفره والإلغاء الفوري لزيادات المعاليم القنصلية وجمعت هذه العريضة أكثر من 3000 إمضاء.
"تحرقت عليه الباسبور" هي الجملة التي استهلّ بها شهاب البالغ من العمر 31 سنة وهو أب لطفلين، حديثه من باريس بعد عشر سنوات من المعاناة التي يشترك فيها بنفس الدّرجات تقريبا مع الشاب رامي بو عايشة صاحب 32 ربيعا المقيم بإيطاليا.
غادرا تونس سنة 2010 أملا في وجه أجمل للحياة لكن المصير لم يتغيّر حتى بعد اجتيازهم للحدود التونسية نحو الأراضي الإيطالية على متن قوارب الموت التي لم تكن نقطة فاصلة في مصيرهم بل غيرت في شكل معاناة الشاب التونسي حيث يجتمع الشابان على اكتشافهم لأحكام صادرة ضدهم سنتي 2015 و2017 بمحض الصدفة عندما تقدما بمطلبي استخراج وتجديد جوازاتهم.

إحدى شهادات طلب استخراج جواز السفر من طرف شهاب
حوكموا غيابيا بتهمة سرقة القارب الذي هجّرهم!!
شأنهم شأن عشرات الشباب في عدد من البلدان، قدموا على متن نفس القارب معهم فحوكموا غيابيا بتهمة سرقة القارب الذي هجّرهم لمعاناة أقصى على حدّ تعبيرهم في علاقة بتواصل حرمانهم لحد اليوم من هويّاتهم التونسية.
أرقام المهاجرين المحرومين من التمتّع بجواز السفر التونسي، لا متناهية هي الأخرى حيث أنّنا تمكّنا من التواصل مع 87 مهاجر منهم، منتشرين بين فرنسا وليبيا واليابان وإسبانيا وسويسرا والبرتغال ودول أخرى كثيرة كبلجيكا التي حدثنا منها رامي بن حميدة البالغ من العمر 38 سنة والخوف يلازمه بعد إصابة زوجته بفيروس كورونا ووفاة جاره لنفس السبب.
هو أب لطفلة لا تحمل أسمه بعد بالرغم من بلوغها الرّبيع الرابع بعد استحالة عملية تسجيلها لدى السلطات الإيطالية بسبب عدم حيازة رامي على جواز سفره بسبب حكم صادر ضده بسبب شجار مع أصدقائه الشباب بمدينة صفاقس منذ تسع سنوات. أمر جعل رامي وعائلته يواجهان الخوف المضاعف من المرض ومن مخلفاته على عليهم.
خطر الافلاس...
عائلة تونسية أخرى تواجه أخطارا كثيرة في مواجهة الظرف الحالي والحياة عامة منذ عشر سنوات بعد أن حرم الوالد حافظ الرّصّاص من تجديد جواز سفره التونسي ليصبح اليوم أمام خطر الإفلاس المباشر وهو صاحب ثلاث مطاعم متخصصة في الأكلات التونسية.
ممتلكات دون تأمينات بعد أن أصبح مكبّل عن تجديد بطاقة إقامته ليصبح رقما آخر من أرقام المهاجرين غير الحاملين لتأشيرة إقامة في إيطاليا اليوم. أمر يحرمه من التمتع من حقوقه في المتابعة الصحية وهو في فترة علاج لمرض "السرطان" في فترة تهاجمه فيها المخاطر الصّحية أكثر من أي وقت مضى؟
الحرمان من جواز السفر أمر يعتبره جميعهم تعسّفي، قطع الطريق أمامهم لمواصلة حياتهم كمواطنين بحقوق وواجبات. أمر استنكرته النائبة بالبرلمان الفرنسي "سنية كريمي" وهي حاملة كذلك للجنسية التونسية، أعربت عن تضامنها مع كل المتضرّرين من هذا الإجراء ووصفته "بالتعسّفي" مطالبة السلطات التونسية بتمكين هؤلاء المهاجرين من جوازات سفرهم التونسية كما أكدت في حديث خاص لنا يوم 15 أفريل الفارط أنها سترسل طلبا لمن سمّتهم بزملائها النواب في البرلمان التونسي قصد لفت نظرهم للموضوع خاصة في هكذا وضع استثنائي وحساس كما وصفته.
و في إتصال جمعنا بها يوم الإربعاء 13 ماي 2020 قالت النائبة التونسية الفرنسية أنها تفاجأت بعدم تكوين ما سمته مجموعة الدبلوماسية النيابية من طرف البرلمان التونسي وأكدت لنا أن البرلمان الفرنسي تواصل من خلال هياكله منذ أسبوعين مع هياكل البرلمان التونسي للبحث عن كيفية التواصل مع مجموعة النواب أصدقاء فرنسا فتم إعلامهم بأنه لم يتكوّن بعد.
وقالت الكريمي وهي رئيسة مجموعة نواب أصدقاء تونس في البرلمان الفرنسي أن هذه المجموعة عادة تتكون مباشرة بعد الإنتخابات البرلمانية وهي مخصّصة للتواصل بين النواب وخلق تعاون وتواصل على غرار التواصل في ما له علاقة بأوضاع الجاليتين التونسية في فرنسا و الفرنسية في تونس وتضيف محدّثتنا أن هذه المجموعة قد تكونت سابقا في فترة ما بعد الثورة، في تونس وكانت فعالة وتم التواصل من خلالها حتى لحل جزء كبير من أزمة المهاجرين التونسيين القادمين من تونس بطرق غير نظامية سنوات 2011 و 2012 و 2013 وخاصة العدد الكبير الذي تدفق على أوروبا وفرنسا فترة الثورة التونسية.

سنية كريمي : نائبة بمجلس النواب الفرنسي
من بين المنادين بالتسوية الشاملة، النائبة الكرمي وهي النائبة الوحيدة من حزب الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، التي أمضت وكانت ومن أّول الموقعين على العريضة التي قدمت للوزير الأول الفرنسي السّابق إدوارد فيليب يوم 8 أفريل. عريضة في انطلاقتها كانت بسبعة إمضاءات ثم أخذت معها آمال آلاف المهاجرين الغير حاملين لتأشيرة إقامة ب 104 إمضاء نحو مكتب الوزير في انتظار الرّد.
أكدت الكريمي في حديثها لنا يوم 15 ماي الفارط أن الرّد لم يرد بعد وقالت أنه سيتم مراسلة رئيس الوزراء الفرنسي أنذاك مرة أخرى من طرف النواب معتبرة الأمر حتميا خاصة أن التجارب السابقة في تسويات شاملة للمهاجرين على غرار تسوية سنة 1981 التي كانت ناجحة حتى في خدمة اقتصاد فرنسا.
بحثنا عن رد وزارة الخارجية التونسية حول وضعيات هؤلاء المهاجرين التونسيين من خلال السّيد بوراوي الإمام مدير الديبلوماسية العامّة والإعلام بوزارة الشؤون الخارجية، جاء الرّد مختصرا في حديثه لنا يوم السبت 16 ماي 2020 حيث قال ان هذا الملف من إختصاص القضاء ووزارة الداخلية. و عن تردي وضعيات هذه الفئة من الجاليات التونسية في عديد البلدان الأوروبية، بسبب عدم حيازتهم على جوازاتهم ، يقول "بعثاتنا الدبلوماسية والقنصلية مستعدة لتقديم الإحاطة الاجتماعية اللازمة لكل التونسيين في وضعيات هشة بدون تمييز" .
وعن الأرقام بخصوص أعداد المهاجرين التونسيين وعدد المحرومين من جوازات سفرهم أو عدد الذين تقدموا بطلب ولم يتمكنوا من إستخراج جوازات سفرهم، رفض السيد بوراوي الإمام الخوض في الأمر وقال أن ليس لديه ما يضيف في الموضوع.
فرضية تسوية وضعيات المهاجرين الغير حاملين لبطاقة إقامة في بلدان إقامتهم هي فرصة يتيمة في واقعهم المحجوب، لكنها لن تصبح حقيقة بالنسبة للمهاجرين التونسيين بدون جواز سفر في ظل تواصل عدم التفاعل من قبل السلطات التونسية.